Friday, May 3, 2013

"أنا من نسل النبي".. وأساطير أخرى عن الانتماء لآل البيت


كنت أجلس مع عدد من الأصدقاء الأمريكان والعرب من مختلف الجنسيات في إحدى بارات العاصمة الأمريكية واشنطن دي-سي، حين لاحظت أن الصديق السوري (حسن) يكاد يتلاحم مع الصديقة السورية (سلوى) على ساحة الرقص. لاحظت بعدها أن الصديق السوري (محمود) حاول إبعادهما عن بعض بشكل غير مباشر، ثم انفرد حسن ومحمود وبدا أن هناك شجارا لفظيا بينهما
حاولت التدخل لمعرفة ما يحدث بالضبط وسبب الخلاف  بين حسن ومحمود، الأسماء كلها هنا قد تم استبدالها، وفهمت أن سبب الخلاف هو أن محمود وحسن ينتميان للطائفة العلوية، في حين تنتمى سلوى للسنة، وأن محمود، رغم وجهه المِحمر من أثر كاسات الفودكا، لم يتقبل أن يتنازل رجل من علوي عن شرف الانتماء لنسل علي بن أبي طالب وآل البيت، ليراقص فتاة سُنية، ليست من مقامه

كتمت ضحكتي بصعوبة..

أتذكر هذه الواقعة كلما قابلت نصابا، أو شابا متحمسا، أو شيخا صوفيا، وهو يتحدث بفخر، أو بتواضع مزيف، عن نسبه لآل بيت النبي.. ذلك الشرف الذي يُسكر أصحابه ويعطيهم اعتزازا وفخرا داخليا بالنسب لآل البيت حتى وهم يجرعون كؤوس الجاك دانيالز والمارجريتا

ما علينا.. أود أن أذكر "آل البيت"، خاصة في مصر، ببعض الحقائق، فلربما تنفع الذكرى

- تتفق المراجع التاريخية أنه أثناء عصور الجهالة وانتشار الأمية التي مرت على مصر في العهدين المملوكي والعثماني انتشرت الصوفية واستفحلت وصار لها سطوة غير عادية. استطاع جمع من النصابين والزناة على أن يخدعوا العوام والسُذج والسفلة، فأقنعوهم أنهم من آل بيت النبي، وأنهم أصحاب كرامات، يستطيعون المشي على الماء والحديث مع الحيوانات، والظهور في مكانين بآن واحد. وتوارث أبناء هولاء النصابين وتلاميذهم رئاسة "الطريقة"، فصار بمصر عشرات، وربما مئات  الآلاف، من المنتسبين للبيت النبوي هم في الحقيقة أوسخ أهل مصر، وكل من تزوج من نسلهم نال بالضرورة الشرف المزعوم.. ومازال أحفادهم اليوم يعيشون الوهم

- مش مصدقني؟؟ بسيطة، اركب أقرب قطار إلى الزقازيق يوم الاثنين أو الخميس. اسأل على بيت ومسجد الشيخ صالح أبو خليل، حفيد "الخليل" الذي ادعى أنه من نسل الرسول أوائل العصر العثماني، ونسب إلى نفسه مجموعة الكرامات المحفوظة من القدرة على شفاء المرضى، وأنه تجسيد النبي وفاطمة وعلي في الأرض، إلخ.. مازال حفيد الخليل حتى اليوم يحظئ بنفس المكانة، بل أن المريدين يسجدون لتقبيل يده ابنه "الشيخ حمادة" الذي لم يبلُغ بعد، بل إن مسجد الشيخ صالح يشتهر بأن الناس فيه يصلون عكس اتجاه القبلة، فهم يتوجهون بصلاتهم إلى قبر الخليل، وليس إلى مكة.. روح اتأكد بنفسك.. فإن كان دجال في القرن 21 قد استطاع أن يحظى بآلاف المريدين والأتباع، فما بالك بدجال أكثر احترفا في عصر كان تعلم القراءة والكتابة فيه ترف؟

- مش فاضي تروح الزقازيق؟ بسيطة، اذهب إلى مولد "نفيسة العلم" السيدة نفيسة، أو "أم هاشم" السيدة زينب، أو مولد الحسين، أو أي مولد آخر. ستجد المنطقة امتئلت عن آخرها بآلاف الخيام التابعة للطرق الصوفية من أسوان للأسكندرية، وفي كل منها حفيد ما للرسول، وآلاف من المريدين والأتباع المصدقين، المتقربين إلى نسله

- معاك كارنيه نقابة الأشراف؟ فرحان بيه؟ هل تعلم من أيضا يحمله؟ حفيد آل البيت الشريف القاتل محمد حسني مبارك، وحفيده القواد صفوت الشريف، وحفيده النصاب زكريا عزمي، وحفيده المجنون معمر القذافي.. كلهم كانوا حاصلين على كارنيه نقابة الأشراف. الاحتمال الأول، انهم بالفعل من آل البيت، وهو ما يعني أن الانتساب لآل البيت ليس شرفا من الأساس، وأن من ضمنهم حفنة من أقذر من أنجبتهم البشرية، أما الاحتمال الثاني فهو أن نقابة الأشراف تمنح العضوية لمن يدفع أكثر، وهو ما يشكك بالضرورة في نسب كل الحاصلين على الكارنيه.

- الملك فاروق ابن ألبانيا أقنع غالبية شيوخ الأزهر أن يسلموا أنه من آل البيت وأنه خليفة المسلمين، وصلاح الدين الأيوبي القادم من كردستان انتحل لنفسه نسبا عربيا قرشيا. ما احتمال أن يكون جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جدك قد انتحل نسب هو الآخر، أو حتى تزوج من عائلة قد انتحلت النسب من عدة مئات من السنوات؟ أزعم أن شجرة النسب التي تحملها بفخر في بيتك، وتعلقها على الحائط لن تصمد 10 دقائق أمام أي نساب أو مؤرخ يحترم نفسه

- إن فهمي للدين الإسلامي، هو أن الرسول (ص) قد بُعث ليدمر فكرة الفخر بالأنساب، والتفاخر بالعائلات والقبائل، لينشر رسالة من المساواة الإنسانية بين سائر بني آدم.  لو كل مافعله الرجل هو أنه استبدل الفخر ببني أمية وبني طالب ببني محمد وعلي وفاطمة، لحكمنا على رسالته بالفشل، فالعقلية القبلية لم تتغير بعدما يزيد عن ألف سنة، بل تغيرت الأسماء وأسباب الفخر فقط

- عزيزي المنتسب للنبي الكريم. يقول الله في كتابه العزيز " إِنَّمَا يريدُ اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُم الرِّجْس أَهْلَ الْبَيْت وَيطَهِّرَكُم تَطْهِيراً". يختلف المفسرون حول الآية، فمنهم من يقصرها على زوجات الرسول، ومنهم من يوسع نطاقها لنسله الكريم. في كل الحالات، تأكد أن الآية ليست موجهة لك بأي شكل من الأشكال

- عزيزي المنتسب لآل البيت، أعلم أنك تحلم من داخلك بالمؤرخ روبرت لانجدون، ليمر معك بمغامرة مهولة تكشف الأدلة التاريخية المطموسة بأنك التجسيد الحقيقي لنسل النبي، والوريث الشرعي لكرسي الخلافة. ولسوف تُكتب قصتك في رواية "أُحجية الصعصعة بن عمرو"، والتي ستبلغ شهرتها الآفاق حتى تصير "شيفرة دافنشي" نسيا منسيا.. أرجوك، احتفظ بمعلومات نسبك وتفاصيلك لنفسك.. غطي نفسك جيدا قبل أن تنام.. والسلام ختام

2 comments:

  1. حتى وقت قريب، كنت أحد المفتونين في الشيخ صالح أبو خليل والطريقة الخليلية
    أدعي أنني تلقيت تعليم جيد في بلد أجنبي، ومعدل قراءة لا بأس به في الفلسفة وعلم النفس
    خاصة منذ سنوات طويلة... وتفكير نقدي لا يأخذ بالمسلمات دون تحليل..
    وفجأة وجدت نفسي من المريدين وأقبل يد الشيخ صالح أبو خليل في منتهى السعادة... قبل ذلك لم أكن حتى متدينة، ليس بمعنى أني لم أكن أمارس الطقوس الدينية ولكني كنت أتبع مذهب اللاأدرية... كل ما أدري أني لا أدري
    لم أكن أتوقع في حياتي أني سألغي كل ما تعلمت وكل ما عرفت وكل ما يمكن أن أكون أو لا أكون أدركته، ولا يكون هناك مصدر لبهجة في حياتي سوى رؤية هذا الشيخ
    ما تبع ذلك أني اتخذت سلسلة من القرارات الكارثية المبنية على "رسائل الإلهام"... ولولا أن حياتي وصلت لحد من الانهيار كان لابد معه من التراجع، ربما لم أكن لأفلت من ذلك الأسر
    أتفق معك في كل ما قلت... بعقلي
    الآن أعرف أن الأمر كله مليء بالتناقضات الواضحة لكل ذي عين... لكن لا زال يحيرني شيء.. قصائد الشيخ محمد أبو خليل
    هل قرأتها؟
    هل يمكن أن تكون هذه الكلمات صادرة إلا ممن عرف ما هو أغنى وأعلى وأجمل من كل ما تدركه الحواس معرفة يقينية؟
    لا أتكلم عن الكرامات ولا ادعاء النسب ولا كل تلك الأشياء
    لكنه شيء أحسست به... تمنيت أن يكون حقيقياً

    ReplyDelete