Tuesday, September 6, 2011

موعدنا 9 سبتمبر- وسائل الحفاظ علي النفس

أتمني ان تمر مليونية أو "اعتصام؟" 9 سبتمبر دون مواجهات عنيفة ودامية. لكن لاقدر الله لو ده حصل أتمني الجميع يكون مستعدا. الحاجات دي اتكتبت كتير لكن لحد دلوقتي شايف أعداد المتظاهرين "المستعدين" للاشتباك قلة معدودة في وسط مجموعات ضخمة غير مجهزة علي الإطلاق

  • أهم حاجة الخوذة من أي محل صناعي. 5 أو 8 جنيه للبلاستيك وحوالي 350 جنيه للفايبر. المهم لازم خوذة للوقاية من الطوب وكسور ، الجمجمة. أرجوكم أرجوكم هاتوا خوذة، الشهيد محمد محسن مات بطوبة، ربنا يجعله آخر الشهداء ومش عايزين حد يموت بهذا الشكل تاني 
  • البيبسي يحوي نسبة ضئيلة من بيكربونات الصوديوم الذي يفسد تركيبة الغاز المسيل للدموع بنسبة قليلة جدا جدا. لا يعتمد عليه ولا علي الخل مع قنابل الغاز الجديدة. شراء قناع واقي من محلات الأمن الصناعي بالجمهورية مهم. القناع أبو 20 جنيه مخصص للاتربة وغير مؤثر إطلاقا مع الغاز
  • لو تقدر ماديا، اشتر قناع غالي مزود بواقي للعين كمان. يبدأ ثمن القناع الجيد من 150 جنيه إلي ألف جنيه وطالع.حاول تجيب حاجة في النص. هناك أقنعة مهيئة لحمل فلتر واحد وأقنعة مهيئة لحمل فلترين، والثاني أفضل
  • بعد شراء القناع يجب شراء الفلاتر. هناك أنواع مختلفة من الفلاتر، اسأل عن فلاتر الغازات السامة. الفلتر الواحد يتراوح ثمنه من 30 إلي 90 جنيه. متفكش الفلتر من الكيس إلا في بداية المواجهة لو حصلت لأن ليه مدة صلاحية خارج الكيس
  • يمكن شراء قفازات حرارية من محلات الأمن الصناعي بثمن يتراوح بين 20 إلي 40 جنيه. هامة لحمل القنابل المسيلة للدموع ورميها بعيدا دون تعريض اليد للحرارة
  • أحد تقنيات القضاء علي القنابل المسيلة وجود حاوية أو جردل جواه ميه. إلقاء القنبلة داخل الجردل وتغطيتها كفيل إنه يفسد مفعولها بنسبة كبيرة جدا
  • هناك بدائل"رياضية" لبعض الأدوات دي. خوذة من بتوع الدراجات لحماية الرأس نظارة غوص لحماية العين جوانتي حارس المرمي لكرة القدم.
  • حط في الشنطة مياه وعصير وبعض المأكولات الخفيفة وبعض الشاش والقطن ومياه الأكسجين لتنظيف الجروح 
  • في وسط إيمان الكثير من النشطاء بالكفاح "المسلح" والمقاومة العنيفة، قل الاهتمام بفرص تنظيم مجموعات للدفاع عن النفس بالأشكال دي
أرجو تنزيل وقراءة كتاب "الدروع الواقية من الخوف" بتأني لأنه يستاهل الاهتمام والتفكير فيمن يستطيع تنظيم دورات تدريبية لتطبيق ما به من أساليب لحماية النفس أثناء المظاهرات



Saturday, September 3, 2011

عن القناصة ونظرية المؤامرة والتدوين والصحافة وأشياء أخري



  • ساهم توفيق عكاشة وعمرو مصطفي وأحمد زبايدر وأمثالهم في نشر شائعات عديدة حول الثورة، من أهمها شائعة "التنظيم الماسوني" الذي يبعث بقناصة إلي أماكن الثورات العربية لاغتيال المتظاهرين من أجل إشعال حدة المواجهات بين الشرطة والجماهير 
  • يرجع أصل هذه الشائعة، وغيرها، إلي باحث روسي متطرف لاقيمة علمية حقيقية له، ظهر في تليفزيون "روسيا اليوم" المتحدث بالعربية، ولم يعره أحد اهتماما حتي قامت قناة الفراعين بإعادة بث حديثه الملئ بالترهات والأكاذيب 
  • مؤخرا، سمعت رواية أخري من مدون علي "تويتر"، لا أعرفه شخصيا وأرجو ألا يعتبر كلامي إهانة له، يؤكد فيها أنه يعرف مصدرا يملك أدلة علي تورط شركة "بلاك ووتر" الأمريكية في توريد قناصة، وأن هؤلاء القناصة تربطهم صلة ما بفرسان مالطة. الجماعة الأخيرة تحيط بها شائعات كثيرة أيضا مرتبطة بالماسونية، وطالما كانت مثار جدل وموضوع محبب لأنصار نظريات المؤامرة وأفلام الخيال العلمي. لكن المدون هذه المرة كان يرسم صورة أخري للمؤامرة، قائلا أن الحكومة هي التي استأجرت القناصة، وليس الثوار 
  • مدون آخر، أيضا لم أتشرف بمعرفته، أكد علي أن شاهد عيان قد روي له عن أن هناك جهة مجهولة قد قامت بتصفية القناصة فوق الجامعة الأمريكية، وأن الشاهد قد رأي آثار دماء ومعركة بالرصاص تشي بأن هؤلاء القناصة تعرضوا للخيانة
  • بشكل عام، فنظرية المؤامرة ليست مرفوضة من حيث المبدأ. الدول تتآمر ضد بعضها، والأنظمة القمعية تتآمر ضد شعوبها، والتنظيمات العسكرية السرية ليست وهما. نظرية المؤامرة، مثلها مثل أي نظرية أخري قد تكون حقيقية. المهم هو أن يقدم صاحب النظرية ما يساند نظريته من أدلة وحقائق منطقية.

  • لا أظن في نفسي أهمية أو تفوقا يسمح لي بالحكم علي أقوال غيري بالكذب أو الصدق، ولا أقصد أي إهانة للمدونين المذكورين. لكني سأنقل لكم تجربتي الشخصية مع الموضوع نفسه هادفا من ذلك أن أبين لكم مدي تعقيد وصعوبة اتخاذ قرار النشر والحديث في أمر شائك مثل موضوع قتلة الثوار.
  • مارس الماضي، قمت بعمل حوار صحفي مع ضابط سابق بإدارة الإرهاب الدولي بجهاز أمن الدولة المنحل.كان الاتفاق مع المصدر ألا أذكر اسمه أو أكشف هويته. هذا الاتفاق مباح في الصحافة بشروط، منها أن المصدر سيذكر كلاما هاما لا يمكن الإتيان به مصادر معروفة، وأن هناك مبرر قوي لإخفاء هوية المصدر، مثل الخوف من الحياة أو التعرض للحرج الشديد في حالة معرفة هوية المصدر. 
  • ذكر المصدر وقتها نقطتين شديدتي الأهمية: النقطة الأولي هي أن جهاز أمن الدولة كان يقوم بتصفيات جسدية لقادة الحركات الإسلامية المسلحة في علميات إعدام دون محاكمة. وذكر واقعة بعينها، وهي اغتيال طلعت ياسين همام، أحد قادة الجناح العسكري للجماعة الإسلامية. وأكد لي أنه كان شاهد عيان علي قيام أحد ضباط الداخلية الكبار بإطلاق النار بعد القبض علي همام وتقييد يديه، ولكن المصدر رفض ذكر اسم القاتل.
هل ننشر الواقعة أم لا؟
  • بعد استشارات مع رئيس القسم وتفكير طويل في الموضوع، تأكدنا من مصداقية المصدر، واتصلنا ببعض المصادر العليمة لأخذ رأيها حول مدي مصداقية مثل هذه الرواية. وبعد بحث وسؤال بعض المصادر الأخري ، توصلنا إلي اسم القاتل، وهو لواء داخلية راحل شهير بوحشيته. قررنا في النهاية نشر هذه الواقعة، مع اخفاء اسم القاتل احتراما لرغبة الضابط السابق، ولأنه كان شاهدا عيان علي الحادثة التي قد يتيح ذكرها فرصة أمام أهل القتيل المطالبة بإعادة فتح التحقيق في وفاته إن شاءوا.
  • المعلومة الثانية التي ذكرها الضابط السابق كانت أن قناصة الداخلية الذين اغتالوا المتظاهرين يوم 28 يناير ينتمون جميعا إلي إدارة الإرهاب الدولي بجهاز أمن الدولة، وبعضهم زملائه الذين يعرفهم جيدا. (مازلت أمتلك تسجيلا صوتيا لهذه الشهادة). أكد لي الضابط أن بعض زملائه من الضباط السابقين بالجهاز يفكرون في تقديم بلاغ للنائب العام بأسماء القناصة الذين شاركوا في اغتيال المتظاهرين، فهم معروفين لكل أعضاء الجهاز السابقين والحالين.
  • قررت حذف هذا الجزء من الحوار، لأن الضابط رغم تأكيداته وثقتي التامة في مصداقيته لأسباب خاصة، لم يقدم دليلا ماديا أو رواية مفصلة. نشر مثل هذه الشهادة دون دليل وشهود عيان موثوق بهم يحمل مخاطرات عدة، منها إبعاد النظر عن الجناة الحقيقيين إن كانت الرواية كاذبة، واتهام الناس بجرم عظيم يضعني تحت مسئولية قانونية إن لم أستطع تقديم الدليل عليه
  • مرت الأيام، ولم يقدم الضباط بلاغهم، ربما خوفا علي حياتهم من مغبة تقديم مثل هذا البلاغ، أو لصلتهم الشخصية بالجناة. لكن تقرير لجنة تقصي الحقائق ظهر في أبريل حاملا تأكيدا لرواية الضابط بأن القناصة كانوا من إدارة مكافحة الإرهاب بجهاز أمن الدولة.
  • هناك أسباب عديدة قد تكون وراء عدم الكشف عن أسماء الضباط حتي الآن. أهمها أن القانون المصري يبيح التعامل بالعنف والرصاص الحي في تفريق المظاهرات، وأن-صدق أو لا تصدق- أغلب الجرائم التي اقترفتها الشرطة أثناء الثورة لاغبار عليها قانونا . لكن استخدام القناصة يعد تجاوزا قانونيا كفيل بلف حبل المشنقة حول العادلي، خاصة أن إدارة الإرهاب الدولي بالذات لا تتلقي أوامرها إلا من اثنين: رئيس مباحث أمن الدولة ووزير الداخلية. ولا تنصاع هذه الوحدة لأوامر آخرين بغض النظر عن رتبهم ومناصبهم في الداخلية.
  • إلي هنا، كان موضوع القناصة واضحا للغاية لي. هويتهم معروفة لي منذ مارس، وجاء تقرير تقصي الحقائق ليثبت ما أعرفه مسبقا. لا أعرف بالضبط ما الذي جعل الأمر كأنه "لغزا" يحتاج لنظريات مؤامرة وأبحاث متعمقة في شرحه، في حين أن التفسير الواضح المباشر متاح للجميع.
  • للتدوين ميزة رائعة، فهي تسمح لأي شخص في أي مكان أن يقول رأيه ويشارك معلوماته مع الجميع في أي وقت ودون قيود. إلا أن ميزة التدوين هي نفسها لعنة، فدون البيروقراطية السخيفة المملة التي تحكم عمل الإعلام التقليدي، يتحرر المدون من أي قيود أخلاقية أو مهنية علي ما يكتبه. النتيجة أن المدون قد يتسرع لنشر مايسمعه من مصادر يظنها موثوق بها 100% دون رأي آخر يساعده في تقييم مدي مصداقية المصدر، وإن كان كلام المصدر لوجه الله أم لغرض في نفس يعقوب.
  • خلاصة القول، لا مانع عندي من أن يكتب المدونون أن القناصة ينتمون لتنظيم ماسوني أو من بلاك ووتر أو من كوكب زحل. لا أدعو إلي أي نوع من الرقابة علي التدوين أو الكتابة. لكني أرجوهم رجاء شخصي بأن يتذكروا أن ما يكتبونه له أثر!
  • مثلي مثل غيري من الزملاء الصحفيين، نسمع في اليوم عشرات قصص النميمة عن شخصيات هامة، ومئات القصص ممن يدعون أنهم "شهود عيان" علي أحداث خطيرة، ونقابل مصادر تقسم بالله علي أنها تملك الحقيقة التي لا يعلمها أحد سواهم. أذكر أني جلست ذات مرة مع لواء متقاعد كان يحتل منصبا شديد الأهمية في سلاح البحرية المصري، حكي لي بأدق التفاصيل ما أسماه "مؤامرة ساويرس وأخيه سميح إنشاء دولة قبطية داخل مصر". الرجل بالفعل كنز من المعلومات السرية وهويته ومنصبه السابقين أتاحا له الاطلاع علي أمور شديدة الحساسية. لكني بالطبع لن أكون بالسذاجة أن أنشر كلامه غير المثبت أو بالأدلة القاطعة، حتي لو صدرت من مصدر له وزن لايستهان به. قيادة شيعية حكت لي ذات مرة تفاصيل تلقي أحد أعضاء مجلس الشعب المنحل دعما من الحرس الثوري الإيراني، ثم تأكدت من المعلومة من ضابط أمن دولة أقسم أن المعلومة حقيقية، مضيفا أن العضو قد اشتري بالأموال أراض وسيارات. لم ولن أنشر اسم متلقي التمويل ولن يطمئن قلبي لهذه المعلومات حتي يأتيني تفاصيل لامجال لأدني شك فيها، أراها وأختبرها بنفسي
  • عزيزي المدون، أتمني أن المرة القادمة التي يبوح لك مصدر ما أنه يعرف الهوية الحقيقية لقاتل كيندي، أو دليل تورط مبارك في اغتيال السادات، أويملك صورا تثبت أن توفيق عكاشة هو  كائن فضائي من كوكب المريخ يتنكر في هيئة بشرية، فكر ألف مرة في نتائج ما ستقوله، حتي لو كان مصدرك هو الرئيس السابق للمخابرات المركزية الأمريكية. احتفظ بالمعلومات في عقلك ولنفسك حتي يثبت لك الزمن والأدلة مدي صدقها أو كذبها. اعلم أن في كثير من الأحيان فإن ذكر "الحقيقة" غير الموثقة أشد خطرا من إخفائها لحين الوقت المناسب والإتيان بالدليل القاطع.
  • ليس كل مايعرف يقال، وليس كل مايقال جاء وقته، وليس كل ماجاء وقته حضر ناسه، ويقول الرسول (ص) أن كفي بالمرء كذبا أن يحدث بكل ماسمع/ وآخر كلامنا أن اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.....وشكرا

Friday, August 12, 2011

أسرار الصوفية السبعة

تحقيق صحفي نشرته منذ سنة في جريدة الشروق، أعيد نشره هنا بمناسبة تظاهرة
الجماعات الصوفية


هم أكثر من 8 ملايين مصري في أقل تقدير، أو ربما 15 مليونا كما تذهب بعض الإحصائيات.

تربطهم جميعا كلمة "الصوفية"، وتميز بينهم باسماء مختلفة لكل طريقة، لها علمها وألوانها وطقوسها العلنية، وايضا بالكثير من الأسرار.

أسرار الصوفية تبدأ من "العهد" الذي يقطعه المرد على نفسه أمام معلمه وشيخه، وتستمر إلى بعض الشعائر والأوراد الخفية، التي تحرم الطرق الصوفية الإفصاح عنها، كما تمنع تدوينها بالكتابة، حتى لا تتسرب خارج الطريقة.

لكن علاقة الطرق الصوفية بالمال والسلطة تبقى سر الأسرار.

"الشيوخ أغنياء لأنهم يستعينون بالجن في جلب الأموال"، هكذا يفسر المريدون الطيبون الثراء غير العادي لبعض الرؤساء.

"أمن الدولة يتابعنا من أجل حماية الطرق الصوفية من المخربين واللصوص"، هكذا يرى الصوفيون أسباب تدخل الأمن في كل تفاصيل حياتهم، من إصدار بطاقة العضوية بالطريقة، إلى طلب معاني بعض الأوراد الغامضة، وربما يصل الأمر بالشرطة إلى طلب طرد بعض المريدين من الطريقة، دون إبداء الأسباب.

في هذا التحقيق نقترب من العالم الصوفي ببنائه الداخلى الفريد، وعلاقاته مع المجتمع والسلطة، من خلال رحلة الشيخ أحمد مسلم، طالب الأزهر وقت دخوله إحدى الطرق، ووكيل العلوم الشرعية بالأزهر حاليا.

أسرار الصوفية السبعة

 
عصر شتاء بارد عام 1981، كان أحمد مسلم الطالب الجامعي يشعر بالجوع والإرهاق الشديد، وليس في جيبه نقود تكفي مواصلاته من مكان دراسته في طنطا إلي بيته في الإسكندرية.
يجلس الرجل الخمسيني الآن علي مقعده المفضل بالنادي الأوليمبي بالإسكندرية. يرتشف فنجان القهوة، ويسترجع تفاصيل تلك الليلة كأنها حدثت الأمس. "ما لقيتش قدامي غير إني أروح لمقام القطب والغوث السيد أحمد البدوي". هناك شرع في الصلاة والتوسل والدعاء، عله يجد لأزمته مخرجا.
العاشرة مساء، توجه أحمد إلي موقف الميكروباص، يراقب السيارات دون أن يجرؤ علي الركوب. ساعة ونصف مرت، وأحمد يشعر باليأس الشديد، إلا أنه فجأة وجد ورقة يطيرها الهواء لتستقر علي صدره. "فكرت أرمي الورقة، بصيت عليها لقيتها 100 جنيه. 100 لانج محدش مسكها ".
يقول أحمد أنه شعر بالذهول الممزوج بالفرح، ليقرر أن يرجع إلي مقام البدوي يصلي شكرا، "وهناك قابلت أحد المجاذيب اللي بص لي وسألني: الأمانة وصلت؟"، فرد عليه بالإيجاب، "لكن كنت بقول في نفسي يمكن الرجل بيقول أي كلام"، عندها فاجأه المجذوب بأنه يعلم جيدا ما يدور في عقله، ليعاوده السؤال " الشك لسة جواك برده؟ لما ربنا يكرمك ابقي هاتهالي علشان يخدها غيرك".
تتسع ابتسامة أحمد ويزداد انفعاله ويردد "سبحان الله" أكثر من مرة، قبل أن يستكمل الجزء الأكثر إثارة في قصته، "ما حكيتش اللي حصل لأي حد خالص وفضلت محتفظ بالقصة سر، لكن بعد يومين لقيت شيخي في الطريقة بيسألني: فاضل كام من المية جنيه النفحة اللي وصلت لك؟".
يقول أحمد أن الشيخ طلب منه أن يعيد 100 جنيه للمجذوب، فهي نفحة عليه أن يردها حتي يستفيد بها غيره. كيفية معرفة الجد بالحادثة، "فدي حاجة كانت حتخلي فيوزات مخي تضرب، إنها بصيرة الشيخ ولا تفسير غير ذلك".
أحمد مسلم، وكيل العلوم الشرعية بالأزهر، وخليفة خلفاء الطريقة الصوفية الرفاعية في الإسكندرية والكفر الدوار سابقا يسترجع ذكرياته منذ دخوله الطريقة وحتي قراره بالانفصال عنها بعد عشرين عاما كاملة.

"من زار الأعتاب عمره ما خاب"، حكمة عن فضل زيارة آل البيت سمعها و حفظها أحمد مسلم، وكيل العلوم الشرعية بالأزهر، وخليفة خلفاء الطريقة الصوفية الرفاعية السابق بالأسكندرية وكفر الدوار.

"جدي هو اللي قالي الحكمة دي وحببني في آل البيت والطرق"، فالجد هو الشيخ أبو مسلم، أحد مشايخ الطريقة الرفاعية، ومازال مريده يزرون مقامه في الزقازيق.

الحكمة التي سمعها أحمد من جده، الشيخ أبو مسلم، كانت بداية طريقة لدخوله الطريقة الرفاعية والارتقاء في مراتبها. "الطرق الصوفية اختلط فيها الحابل بالنابل، والصالح والطالح"، ومثلما كانت زيارة أضرحة آل البيت وأولياء الله الصالحين ومشايخ الطرق بداية لدخول أحمد الطريقة، فإن الاختلاف حول آداب الزيارة ومغزاها كان أحد الأسباب التي دفعته بعد أكثر من 20 عاما لأن يقلل من علاقته الرسمية بالطريقة، مفضلا الانعزال عن المدراء الرسمي والتعبد مع نفر قليل من أتباعه.


1
 صلوات واستغفارات
أمره الخليفة بالاستغفار والصلاة وأعطاه صورة شيخ الطريقة حتي يستأنس بها أثناء التعبد



الشيخ أحمد مسلم يتذكر جيدا إحساس الانشغال الدائم بالاستغفار في بداية علاقته بالطريقة. "حسيت إني بقيت كويس. الاستغفار نورني وأزال عني حجب الظلمة".
ودائما ما يكون "الاستغفار ضرورة لكي تهئ نفسك لدخول الطريقة"، كما يحكي عبد الله، وهو الاسم المستعار الذي اختاره أحد المريدين المنشغلين بالتسبيح في مسجد الحسين بالقاهرة. "استغفر الله استغفر الله"، يرددها منذ صلاة المغرب وحتي قرب صلاة العشاء.
السوالف الطويلة المضبوطة و"السكسوكة" لا تشي بأن الشاب هو أحد أتباع الطرق الصوفية منذ سنة ونصف سنة.
يفضل عبد الله ألا يكشف اسم الطريقة لأنه لم يأخذ الإذن بالحديث من شيخه.
يذكر كيف دخل "تكية" الطريقة القريبة من الحسين، فأخذه أحد خلفاء الشيخ في غرفة منعزلة وبدأ يحدثه ويوعيه. أعطاه الخليفة 5 ورقات مطبوعة من القطع الصغير، عليها عدد معين من الاستغفارات والصلوات، وصورة شيخ الطريقة حتي يستأنس بها أثناء التعبد.
تحوي الورقات الخمس تعليمات بقراءة الفاتحة وسورة الإخلاص عددا معينا من المرات يوميا، وإهدائها لمشايخ الطريقة بداية من شيخها الحالي ووصولا إلي النبي محمد (ص).
يعترف عبد الله أنه لا يعرف شيئا عن تاريخ أغلب المشايخ الذين يهدي إليهم الفاتحة يوميا منذ دخوله الطريقة حتى الآن، "لكن الخليفة فهمني إنهم ليهم الفضل علينا في وصول الصلوات دي"، فمصدر بعضها، حسب اعتقادهم، هو النبي، والبعض الآخر "من الوحي الذي يأتي لشيوخ الطريقة علي مر العصور".
يقول عبد الله أن الخليفة قد أمره بالاستغفار ما يزيد عن 70 ألف مرة، وعلمه كيفية استعمال السبحة الصوفية، التي تحوي عدادا للمئات، وآخر للآلاف، ثم ثالثا للعشرة آلاف. "الشيخ قالي إنه عايز يعرف أنا وصلت فين في الاستغفارات بمجرد إنه يبص في السبحة".
يصاحب الاستغفارات صلوات علي النبي متوارثة عن المشايخ والأقطاب لكل طريقة. تتفق أغلب الصلوات في استخدامها لألفاظ ذات معان غامضة علي غير أصحاب الطريقة، والطول الشديد. وإن كان يقلل من صعوبة حفظها استخدام السجع والوزن.
أحد أشهر صلوات الطريقة الرفاعية تقول " اللهم صل وسلم وبارك علـى نورك الأسبق وصراطك المحقق .من أبرزته رحمةً شاملة ً لوجودك . وأكرمته بشهودك . واصطفيته لنبوتك ورسالتك ... نقطة مركز باء الدائرة الأولية . وسر أسرار الألف القطبية . الذي فتقت بـه رتق الوجود . وخصصته بأشرف المقامات لمواهب الإمتنان والمقام المحمود...".


2
المكاشفات
الصفاء، ورؤية النبي في المنام، والمكاشفات وهي الرؤيا من العالم الآخر
يردد المريد الصلوات والاستغفارات بأعداد محددة في أوقات معينة، كأن يطلب منه مثلا أن يقرأ الفاتحة 33 مرة وسورة الإخلاص 99 مرة بعد كل صلاة صبح أو عصر. ولتفسير هذه الأعداد والأوقات أصول من الأحاديث النبوية، وبعضها تختص الطريقة بسر تكراره ومواعيده.
ويطلب الشيخ من المريد أن يكرر اسم بعينه من أسماء الله الحسني بأرقام محددة طبقا للقيمة الرقمية من حروفه. "يعني كان الشيخ يقولي مثلا اقرأ اسم اللطيف مضروب في اتنين". الألف تساوي واحد، واللام تساوي 30، وهكذا.
بعد حساب قيمة الاسم رقميا يضرب في اتنين أو في نفسه حسب تعليمات الشيخ، ليدرك المريد العدد المطلوب في تكرار الاسم.
"في هذه المرحلة يأتي الصفاء، ورؤية النبي في المنام، والمكاشفات"، وهي "الرؤيا من العالم الآخر"، طبقا لتعريف الرجل.
يرفض الشيخ أحمد أن يفصح عن مضمون هذه المكاشفات وتفاصيلها، فمن لم يخوض بنفسه هذه التجربة، ولا يؤمن إلا بالماديات فقط قد يقول عن الصوفة "أن خيالهم واسع أو أفاقين أو عقولهم فيها حاجة غلط"، في رأي الشيخ.




3
 عهد الطاعة للشيخ
يضع الشيخ يده علي يد المريد في حضور شهود من الطريقة ويتلو 7 صلوات علي النبي

"شفت لك رؤيا حلوة ولازم أديك العهد". كانت الجملة التي دعي بها الجد حفيده الشيخ أحمد للانضمام للطريقة، فالجد هو الشيخ أبو مسلم، من كبار رجال الطريقة الرفاعية، ومازال مريدوه يزورون مقامه في الزقازيق.
العهد هو "ربط القلب بالقلب"، فما يفعله المريد في الخفاء يظهره الله للشيخ، كما يقول الشيخ أحمد مسلم، "وده مش معناه إن الشيخ يعلم الغيب"، في رأي أحمد، لكنها بصيرة يعطيها الله علي لأوليائه الصالحين مصداقا للحديث النبوي "اتقوا فراسة المؤمن فإنه يري بنور الله"، علي حد قوله.
"بعد فترة قال لي جدي أنه قد رآني بمرآه قلبي، وأنه يريد أن يعطيني العهد". يضع الشيخ يده علي يد المريد الحفيد في حضور شهود من الطريقة. يقرأ الشيخ الفاتحة ثم يبدأ في تلاوة 7 صلوات علي النبي، وهو تقليد يختلف من طريقة لأخري، ثم صلوات متوارثة في تعظيم الأقطاب الصوفية الأربعة الكبار وهم السيد عبد القادر الجيلاني، والسيد إبراهيم الدسوقي ، والسيد أحمد البدوي، والسيد أحمد الرفاعي الكبير، ومن تلاميذهم ومريديهم تتفرع آلاف الطرق الصوفية.
يستكمل الشيخ العهد بتلاوة آيات مختارة من القرآن يبدأها من سورة الفتح. "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما"، وهي الآية التي نزلت أصلا في صلح الحديبية بالهدنة بين النبي (ص) وقبيلة قريش. يستكمل الشيخ تلاوة الآيات لينهيه بالقسم.
يختلف العهد من طريقة لأخري، فالقسم في الطريقة الحامدية الشاذلية يتضمن "تعهدا" بطاعة الشيخ. "إني عاهدت الله وأعاهد الله وأعهد إلى الله وأشهد على نفسي، بأنني قد التزمت السمع والطاعة لشيخي هذا فلا أخلفه بقلبي ولا بجوارحي ولا لساني... فإذا خالفت شيخي هذا أو نكرت عليه، أو اعترضت أو غيرت أو بدلت، أكون خائناً وناكثاً وناقضاً لعهود الله ومواثيقه".
"العهد ده شرف كبير"، كما يقول مدرس في أواخر الأربعينات بأحد مدارس الهرم بالجيزة، من أتباع الطريقة الخليلية. يظهر من فتحة ياقة قميصه أنه يرتدي علي رقبته السبحة الصوفية الطويلة.
العهد هو البداية الحقيقية لدخول أي مريد للطريقة الصوفية. نص القسم يختلف من شيخ لآخر "حسب اللي بيفتح بيه ربنا علي كل شيخ"، لكنه دائما ما يحمل ذات المعني، وهو الخضوع التام للشيخ وتقبل كل أوامره دون مناقشة أو امتعاض، لأن الشيخ الذي يعطي القسم "هو شيخي في الدنيا والآخره".
لا يستنكف ابن الطريقة الخليلية الذي ينظر إليه تلامذته نظرة إكبار واحترام، أن يقول عن نفسه أنه يخاف غضب شيخه، وأن نظرة رضا من شيخه كفيلة أن تفرحه أياما وأشهر. يشرح الرجل نظريته مستندا إلي حديث سمعه من شيوخه وأخوته في الطريقة منسوب إلي النبي "أن النظر في وجه الولي من أولياء الله الصالحين، خير من عبادة ألف سنة".
يقول المتصوف بالطريقة الخليلية إن دخوله الطريقة قد غير مجري حياته، فقبل التحاقه بالطريقة لم يكن اجتماعيا، "لكن في الطريقة تعرفت في حلقات الذكر علي ناس محترمة، مهندسين ومحامين ودكاترة جامعة".
إضافة إلي ذلك، أصبح وقت المدرس رهنا بحضور حلقات الذكر، فأحد أشكال الطاعة التي يفرضها الشيخ علي المريد أنه يذهب إلي حلقات الذكر والدروس الشرعية في مواعيدها ومواقيتها دون تأخر، "لدرجة إني ظبط مواعيد الدروس الخصوصية حتي لا تتعارض مع مواعيد الحلقات".
يقول الرجل أنه يستشير شيخه في كل أمور الدنيا والآخرة، ليس بالكلمات بالضرورة، "فالشيخ حاسس بيه وعارف بأحوالي من غير ماتكلم".




4
 امتحان الصدق
الشيخ يطلب من المريد أن يتفقد أحوال زميله الجديد للتأكد من أخلاقه وأحواله

لا تنتهي الاختبارات التي يخضع لها المريد بنطقه للعهد، والتزامه بالطاعة، فقد يضعه الشيخ في مواقف صعبة، لإثبات الصدق حسن النوايا.
يتذكر الشيخ أحمد أنه تعرض من شيخه وجده لاختبارات الولاء والطاعة، رغم خضوعه للعهد بعدم مخالفة الشيخ أو انتقاده.
"مرة شفت جدي أثناء تقبيله لامرأة في الظلام، فسألته إزاي تعمل كدة؟" فكانت إجابة الشيخ أن المرأة التي يقبلها هي زوجته، "فتعلمت أنك ممكن تشوف حاجة بعينك تفكر إن حرام في الظاهر، لكنها حلال في الباطن".
فهم أحمد أن الموقف كله اختبار من الجد لولاء مريده، كي يعلمه التأني والتروي في الحكم علي الناس.
ولكل طريقة صوفية أسلوبها للتأكد من صدق نية المريد، أو الطالب، أو السالك، وكلها ألفاظ تطلق علي الراغب في الانضمام لها.
يؤكد أحمد أن الشيخ قد يطلب من المريد الذي يثق فيه أن يتفقد أحوال المريد الجديد للتأكد من جديته وأخلاقه وأحواله، كأن يطلب الشيخ مثلا أن يذهب بعض المريدين لبيت المريد الجديد أو قضاء فترة أطول في الحديث إليه.

5
 الترقي والسمو
كل مريد يواظب على دروس الشيخ أملا في الحصول على ترقية روحية
في مواجهة مسجد السيدة نفيسة، وعلى الجانب الآخر من شارع صلاح سالم، كان الشيخ شحاتة، نائب الطريقة الشهاوية، يتحدث قبل أسبوع إلي المريدين في خيمة الطريقة. كل مريد يواظب على دروس "الشيوخ" أملا في الحصول على "ترقية" روحية داخل الطريقة.
الشيخ شحاتة يؤكد للتلاميذ أن "الصوفية ليست علما تفهمه من القراءة، بل بمجاورة الرجال الصالحين". ويواصل موعظته بأن "أهل السنة ينتسبون إلي الحديث، والفقهاء إلي الفقه، أما الصوفية فعندهم العلم كله"، يؤكد الشيخ أن للصوفية أسرار تدرك بالترقي في العبادات، ولا يمكن إدراكها بالدراسة.
أنهى الشيخ كلامه بشرح المعني "الخفي" لكلمة صوفي، فالصاد صفاء والواو ولاء والفاء فـَناء، إلي أن ينتهي من موعظته ويترك كرسيه ويجلس علي الأرض مع المريدين لتبدأ الحضرة.
يتذكر الآن الشيخ أحمد مسلم أنه قضي 5 سنوات في مرتبة المريد، إلي أن قرر الشيخ ترقيته إلي مرتبة الشاويش.
بدأ الشيخ مراسم الترقية بتلاوة أوراد علي صينية خاصة أمام المريد، يرفض أحمد أن يفصح عن مضمونها لأنها أحد أسرار الطريقة. بعدها أعطى الشيخ للمريد حزاما وعقد عليه عقدة. تعاون الحضور كلهم في الإمساك بطرف العقدة وشدها حتي تنحل، "العقدة رمز كل الأمور المعقدة في حياتك، وحلها بشارة بأن تتفتح أمامك طاقات الحياة".
في هذه في هذه المرتبة، يجود الشيخ علي الشاويش بأذكار وأوراد أكثر، ويزيده في تفسير أسرار أسماء الله الحسني. "تتعلم مثلا أن أحد تصاريف اسم بعينه من أسماء الله الحسني يساعدك في أن تجد أي شيئ فقدته". هذه التصاريف، أو المشتقات اللغوية، هي تكوينات مختلفة من ذكر اسم بعينه من أسماء الله الحسني أو صيغة مشتقة منه وتكراره طبقا لحسابات معقدة في أوقات معلومة.
ما الذي تغير في حياة المريد أحمد بعد أن أصبح شاويشا؟.
"يجب عليك ارتداء العمامة السوداء رمز الطريقة الرفاعية"، فلكل طريقة بيرق "علم" يرمز إليها. الرفاعية اختارت اللون الأسود، أخذا برواية تقول أن الرسول كان يرتدي عمامة سوداء يوم فتح مكة. في حين أن الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية مثلا تشتهر ببيرق ذي ثلاثة ألوان، هي الأبيض رمزا للسيد الدسوقي، والأصفر رمزا للإمام الشاذلي، والأخضر رمزا للانتساب لآل البيت.
الترقي لا يصاحبه فائدة مادية، بل هو تقرب أكثر من الله ومسئوليات أكبر تجاه الأخوة في الطريقة، خاصة في حلقات الذكر، كما يؤكد الشيخ أحمد. "من حق الشاويش قيادة الإنشاد في في حلقات الذكر مثلا".
ازداد ارتقاء أحمد في الطريقة من شاويش إلي نقيب، ثم إلي خليفة، وأخيرا خليفة خلفاء عن محافظة الإسكندرية وضواحيها وحتي كفر الدوار.

6
 التعامل مع الأمن
يطلب ضباط أمن الدولة بيانات بعض المريدين أو يسألون عن معنى أشعار الذكر
مسئوليات خليفة الخلفاء بها مسئوليات إدارية كثيرة، كما يقول أحمد. أحد هذه المسئوليات هو "منح الإجازة"، وهي شهادة رسمية معتمدة من الطريقة تحوي تاريخ انضمام المريد إلي الطريقة وأنه قد ترقي إلي مرتبة تسمح له بإقامة حلقات الذكر.
إضافة لذلك، فإن خليفة الخلفاء هو الذي يتعامل أحيانا مع ضباط أمن الدولة المسئولين عن ملف الطرق الصوفية، في حالية غياب الشيخ.
يظهر رجال الأمن في المشهد بأكثر من طريقة.
"أحيانا يجي لنا ناس من أمن الدولة لتسجيل حلقات الذكر ومعرفة ما يدور فيها بطريقة سرية". يقول أحمد أن هؤلاء الأشخاص يتم التعرف عليهم بسهولة، فأخوة حلقات الذكر يعرفون بعضهم بالاسم، وحين ينضم لهم غريب يلاحظه الجميع بسهولة.
و"أحيانا يستدعينا ضباط أمن الدولة طلبا لبيانات بعض المريدين كأسمائهم وعناوينهم ومهنهم، أو يطلبون منا تفسير بعض ما لا يفهمونه في تسجيلات حلقات الذكر". يروي الشيخ أحمد أن عامي 2004 و2005 قد شهدا أوامر مباشرة بإلغاء حلقات الذكر أكثر من مرة، ويؤكد أنه في أكثر من مرة تأتي تعليمات من الأمن باستبعاد أفراد بأعينهم من حلقات الذكر.
"ليه؟ ما تسألش. ما حدش يعرف السبب".
غير أن أحمد لا يري غضاضة في مراقبة الأمن لحلقات ذكر الطرق الصوفية، "فربما كان في ذلك منع لدخول المخربين والإرهابيين ودعاة الرذيلة إلي هذه الطرق". بل إنه يقول أن أمن الدولة بهذه الطريقة "يحمي الطرق الصوفية من أن يحاول دخول صفوفها لص أو فاسد".
كما لا يري أي مشكلة في حصول الأمن علي بيانات المريدين، "وإحنا خايفين من إيه؟ الأمر لا يختلف عن إنك تروح تأجر غرفة في فندق، فبياخدوا منك البطاقة والبيانات".
وإعطاء بيانات المريدين للأمن إجراء روتيني لا بد أن يسبق حصول المريد علي كارنيه عضوية الطريقة الرسمي المختوم بختم المجلس الأعلي للطرق الصوفية في القاهرة.

7
 والخروج من الطريقة
الممارسات الخاطئة مثل التمسح بالأضرحة وتقديس المشايخ لدرجة التأليه

خروج الشيخ أحمد من الطريقة الرفاعية كان بسبب نصابين "رأيت فسادهم بنفسي، من مشايخ وأتباع مختلف الطرق"، ليؤكد أن الدجل والشعوذة والإيهام بالقدرة علي تسخير الجن لحل المشاكل المختلفة هي وسيلة للتكسب بين الكثير من مشايخ وأتباع كافة الطرق الصوفية، "لأن أصحاب الأهواء والجهلة كثير".
كان من المفترض أن يترقي أحمد في الطريقة ليصل إلي نائب شيخ وربما يصير نفسه شيخ طريقة ذات يوم. إلا أنه آثر الابتعاد رويدا رويدا عن الارتباط الرسمي بالطريقة الرفاعية.، بعد كل ما رآه في الطريقة، والطرق الأخرى.
أحد أتباع الطريقة كان كلما رأى رجلا عليه معالم الحزن أو الكرب في المسجد، استفسر عن أحواله ليعلم أسباب اكتئابه، "بعدها يروح يقوله إنه شاف له رؤية حلوة ويوهمه بقدرته علي مساعدته في المشكلة".
يزيد أحمد أنه يستنكف الكثير من الممارسات الشائعة بين مختلف أتباع الطرق الصوفية، مثل التمسح بالأضرحة، والتقديس المتزايد للمشايخ حتي "تصل إلي درجة التأليه" علي حد قوله.
الزائر لمسجد أبي خليل بالزقازيق قد يفاجأ بمشهد عشرات من مريدي الطريقة الخليلة يصلون في اتجاه ضريح شيخهم الراحل، المعاكس لاتجاه القبلة. أما مساجد السيدة نفسية، والحسين، والسيدة عائشة، وغيرها فتمتلأ بالمئات من الزائرين طلبا للمساعدة من الراقدين في الأضرحة.
يرفض الشيخ أحمد أن يعلق علي طريقة بعينها، وإن كان يقول أن طلب المدد من الموتي يعد "نوعا من الكفر، فالمدد هو طلب العون لقضاء الحوائج، وهو لا يأتي إلا من الله ونبيه محمد فقط". ولا يؤمن الشيخ أحمد بأن القطب الرفاعي ولا غيره يستطيعون إعطاء المدد لأحد، "فمتي توفي الشيخ لا لنفسه ولا للآخرين شيئا".
يخرج الشيخ أحمد من جيبه بطاقات عضوية اثنين من أتباعه في الطريقة، قائلا "دول اتنين من مئات الناس اللي خدت العهد علي إيدي". يستعد الشيخ أحمد للرحيل، وهو يقول "دلوقتي بنعمل حلقات الذكر في بيوتنا بعيدا عن المساجد وعن باقي أتباع الطريقة".

إضافات

1
الحضرة الزكية
يعرف الصوفية الحضرة بأنها "حضور الله في القلب"، من خلال الاجتماع تحت قيادة شيخ أو وكيل من الطريقة.
لكل طريقة أسلوب مميز بالحضرة، فالرفاعية والنقشبندية تركز علي الإنشاد الذي قد يصاحبه تمايل مع النغمات أو لا يصاحبه.
في حين أن الطريقة المولوية في تركيا شهيرة بالدراويش ذوي الأزياء البيضاء والطرابيش، الذين يدورون حول أنفسهم بأسلوب يحتاج سنوات من التدريب.
أما الطريقة البرهانية الدسوقية، والتي يقول الشيخ أحمد أنه يحب من الحين والآخر مشاركتهم في حلقات الذكر، فتتميز باصطفاف الذاكرين في صفين متوازيين يهزون أجسادهم ورؤوسهم 180 درجة إلي اليمين واليسار، أو الوقوف في المكان مع القفز الخفيف صعودا وهبوطا بتحريك الركبة والوقوف علي مشط القدم.
يتولي المنشد تطريب الأوراد، في حين يتولي الرديدة تكرار "كوبليه" أو لازمة تفصل كل طابق عن الآخر. ويعاونهم علي حفظ الإيقاع "المستفتحين" الذين يستخدمون أصوات حلقية مثل "اه اه" و تصفيقا خفيفا للحفاظ علي الإيقاع الذي ينتقل بسلاسة بين الزار والسماعي الخفيف.
هذه العملية قد تبدو بسيطة في الظاهر، إلا أنها تحتاج إلي سنوات من الخبرة والتدريب، فأتباع الطريقة يتحركون بشكل متواز ومنتظم ودقيق وهم مغمضي الأعين، ويغيرون من أسلوب حركتهم في وقت واحد اعتمادا علي إشارات صوتية من المستفتح، كتغير نوع الإيقاع أو أسلوب التسقيف.
وتتميز هذه الطريقة أيضا بأن أتباعها يغلقون الأنوار ويضيئون فانوسا مكونا من مصباح عليه بيرق الطريقة ذي الألوان الثلاثة.
ويؤمن بعض أتباع الطرق أن أرواح الشيوخ والأقطاب تتلبس المريدين، ليصلوا إلي حالات من الوجد والمكاشفة.

 
2
تصاريف خاصة
بعض الطرق الصوفية تحتفظ بتصاريف خاصة لكل مناسبة.
طبقا لأحد أتباع الطريقة التيجانية مثلا، فإن تكرار اسم "لطيف" 1973 مرة يوميا لمدة أسبوع يجلب وظيفة، في حين أن تكراره 1316 مرة لمدة أسبوع يبطل الأعمال والسحر.
بعض هذه التصاريف والأوراد لا يتم تدوينه بل يتوارثه الخلفاء عن المشايخ. لكن لماذا تحتفظ الطرق بهذه الأسرار إن كان فيها خيرا للناس طبقا لإيمانهم؟.
يقول أحمد أن الله قد اختص السيد الرفاعي بكرامات خارقة، مثل الصلوات التي تسخر الأسود والثعابين، وأوراد وصلوات خاصة تجعل الإنسان قادرا علي أن يدخل في جسده أسياخا أو سيوفا دون أن ينزف، ودبابيس في جفن عينه دون إصابة. ويؤكد أنه قد جرب بعض هذه الصلوات بنفسه وأثبتت نجاحها.
"هذه الأسرار وغيرها قد تستخدمها لتعين بها ذوي الحاجة وتعلي من أمر الدين وتأخذ الثواب أو تعمل به دجالا وأفاقا"، وحرصا علي ألا تقع تلك الأسرار في أيد غير أمينة، فإن الشيوخ يختصون بها من يثقون فيهم من المقربين إليهم فقط، طبقا للشيخ أحمد.





Tuesday, August 9, 2011

الدعوة السلفية- الحلقة الرابعة: السلفية أسلوب حياة



  • في الحلقة الثالثة تكلمنا عن تعرض الدعوة السلفية لضربات أمنية عديدة ضمن سياسة قمع جميع الحركات الدينية في التسعينيات كسبيل لمواجهة هجمات الإرهاب، و
  • كان جهاز أمن الدولة يصنف التيار السلفي إلي نوعين، السلفية التنظيمية والسلفية غير التنظيمية، وكانت الدعوة السلفية بالطبع تنتمي للنوع الأول
  • قلنا أن التنظيم المحكم للدعوة السلفية أدي إلي استمرار نشاطها في الدعوة وتوزيع الزكاة رغم التضييق الأمني الشديد، لكن أواخر التسعينيات والعقد الأول من الألفينات شهد 3 ظواهر هامة ساهمت في بقاء واستمرار الحركة
ظهور وانتشار الانترنت:
  • أواخر التسعينات ظهر موقع "طريق الإسلام" السعودي وكان وقتها أكبر موقع سلفي علي الإطلاق. استكتب الموقع شيوخ الدعوة السلفية ونشر مقالاتهم، فكان لفترة المنفذ الوحيد لهؤلاء المشايخ للكتابة والنشر. انتشرت بعدها المنتديات والمواقع التي أتاحت للمشايخ الحديث المباشر ورد الفتاوي لأعضاء الدعوة حول مصر كلها دون حاجز.
  • إلا أن أولي المواقع الرسمية للدعوة السلفية لم تظهر إلا عام 2006، ففي هذا العام نشأ موقع "صوت السلف". تم إنشاء الموقع بالجهود الذاتية علي يد 7 متطوعين فقط من أعضاء الدعوة بالأسكندرية مستخدمين جهازين كمبيوتر فقط. اعتمد الموقع علي نشر مقالات 25 كاتبا من مشايخ الدعوة السلفية، أهمهم الشيخين ياسر برهامي وعبد المنعم شحات. تطور الموقع ليتضمن بابا كاملا للرد علي الفتاوي في كل شيئ وعن أي شيئ، بداية من حكم ارتداء دبلة الخطوبة أو التي شيرت الذي يحمل أسماء "الكفرة" من لاعبي كرة القدم، إلي رأي مشايخ الدعوة في بن لادن والإخوان المسلمين والانتخابات وغيرها.
  • تعرض القائمون علي الموقع لضربات أمنية واعتقالات وتهديدات متفاوتة في موجات من الشد والجذب التي تعرض لها جميع الناشطين من كافة الحركات السياسية، مثل كفاية، في ذلك الوقت. ورغم المصاعب الأمنية فإن نجاح الموقع والإقبال المذهل عليه شجع الدعوة علي إنشاء موقع "أنا السلفي" عام 2007 المخصص للمقاطع الصوتية والمرئية. كل مسجد يحاول رواده جمع تبرعات كافية لشراء كاميرا والتطوع لمتابعة شيوخ المسجد وتوثيق خطبهم. تقول الدعوة أن جميع المقالات تعبر عن رأي الدعوة رسميا، أما مقاطع الفيديو فلا تعبر إلا عن رأي صاحبها لكثرتها وصعوبة حصرها ومراجعتها.
ظهور القنوات التليفزيونية السلفية
  •  في الخمس سنوات الأخيرة، والتي لم تكن تدعوة لمنهج "الدعوة السلفية" تحديدا بل إلي التيار السلفي بشكل عام. وظهرت أغلب هذه القنوات برؤوس أموال خليجية سعودية، منها مثلا شركة البراهين التي كانت تمتلك قنوات الناس والحافظ والخليجية والصبا والجمال، وكلها اعتمدت علي مشايخ مصريين منهم مشايخ من الدعوة السلفية
تعليم الأطفال وبناء مجتمع


  • أهم ما كفل للدعوة السلفية الاستمرار كان اهتمامها الشديد بالتعليم والتربية للأجيال الجديدة. تحفيظ القرآن للأطفال مجانا أو برسوم قليلة وتعليمهم أصول الدين كان من أهم أنشطة المساجد السلفية.
  • أوائل الألفينات قام الشيخ مصطفي دياب، أحد كبار مشايخ الصف الثاني للدعوة، بإعداد منهج ديني للأطفال ونشره في كتاب "سبيل الهدي". الكتاب ينقسم إلي فصول "التوحيد، الفقه، الحديث، السنة.." بأساليب مبسطة تصلح للأطفال في سن العاشرة فما فوق.
  • الكتاب كان يحوي تأصيل لمنهج السلف في الطفل، فداخله جرعة مكثفة للمصطلحات المؤسسة لمنهج أهل السنة "الفارق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، الفارق بين المسلم والكافر والنصراني، الحديث الصحيح.."، وجرعة مكثفة أيضا لتعميق أهمية أعلام التيار السلفي الوهابي السعودي، فالكتاب به مئات الاستشهادات للشيخين بن العثيمين وبن باز والتأكيد المتكرر علي المكانة المميزة لابن تيمية "شيخ الإسلام".
  •  في ذات الوقت، يتعلم الطفل أن الغناء والموسيقي حرام، وأن مشاهدة المسلسلات طريق مضمون إلي جهنم، وأن كل أفعالهم عليها أن تدور حول طاعة الله. اللهو ولعب الكرة،علي سبيل المثال، ليست مجرد لعبة هدفها التسلية واللهو، بل هي وسيله هدفها الترويح عن النفس للاستعانة علي مشاق الحياة والعبادة، وطريقة لتقوية الجسد لأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. يتدرج الطفل من كتاب "سبيل الهدي" إلي دروس النحو واللغة التي تؤهله بعدها لدروس التجويد وحفظ القرآن والتنافس مع أقرانه علي سرعة الحفظ وجودة الأداء.
  • المسجد السلفية الصغيرة في الأحياء الفقيرة والشعبية لم تكن مجرد مكان للصلاة أو الدروس الدينية، بل وفرت الاحتياجات الاجتماعية الكاملة لزائريها. المسجد مفتوح طوال النهار، يلقاك داخله رجال مبتسمين ينادونك "أخ فلان" فور معرفتهم باسمك. يسمح داخل المسجد بالحديث والسمر والمزاح الخافت المناسب للمكان بعكس المساجد الأخري التي تشدد علي أهمية السكون التام وتنشر جوا مضادا للتواصل بشكل عام. المسجد مكان لتنظيم دورات كرة القدم لشباب وأطفال الحي، ومكان مفتوح للمذاكرة الجماعية في جو هادئ للأطفال أيام الامتحانات، وربما لعب الاستغماية واللهو حين يكون المسجد خاليا. لا يمر أسبوع دون عقيقة لحم دسمة احتفالا بزواج أحد الأخوة. ولأن الأخوة ملتزمين لا يختلطون بالنساء، فكان المسجد مكانا مثاليا للتعرف علي شباب المنطقة وطلب النسب بنساء عائلاتهم المنتقبات الملتزمات من أعضاء الدعوة أو بنات التيار بشكل عام.
  • باختصار صار المسجد هو محور حياة عائلة أفراد الدعوة وهو ما كفل للدعوة الاستمرار، فهي ليست مجرد حركة سياسية من الممكن أن تنفرط، بل أسلوب حياة مدعوم بالإيمان القوي والروابط الأسرية. هذه الروابط كان لها دور شديد الأهمية في الحفاظ علي كيان الدعوة وتماسكه ثم ظهورة في الشكل المنظم الذي ظهرت به منذ اندلاع الثورة. موقف الدعوة من 25 يناير ودورها أثناءها وبعدها نبدأ الحديث عنه الحلقة القادمة بإذن الله














Thursday, August 4, 2011

الدعوة السلفية- الحلقة الثالثة- العمل تحت رقابة أمن الدولة

  • توقفنا في الحلقة الثانية عند ازدهار الحركة السلفية في أواخر الثمانينات وتأسيسها لمجلات ومراكز علمية واجتذاب عدد ضخم من المريدين
  • في التسعينيات تعرضت الدعوة السلفية مثل غيرها من الحركات الإسلامية للإقصاء الكامل والتعامل الأمني الصارم بعد تعرض مصر لعدة هجمات إرهابية
  • لم تكن الدعوة السلفية ضالعة في أي عملية إرهابية ولم يثبت علي أي من أعضائها التورط في أعمال عنف، لكن ذلك لا يمنع أن كافة مشايخها قد تعرضوا للاعتقال والتعذيب، ومنهم "قيم" الدعوة نفسه الشيخ أبو إدريس
  • تم إغلاق معهد الفرقان، المعهد المعتمد لتدريس الفكر السلفي كما تم إغلاق مجلتي السبيل وصوت الدعوة ولم يسمح للدعوة بالظهور الإعلامي علي الإطلاق. وكان أئمة الدعوة في الأسكندرية ممنوعون من السفر بحرية بين المحافظات، ناهيك عن السفر إلي خارج مصر
  • مع اعتقال وتعذيب العديد من أعضاء الدعوة من قبل أجهزة الأمن، صار لأمن الدولة جواسيس وأعين داخل الدعوة السلفية، ومعرفة تامة بأدق شؤون الدعوة. أحد قادة الدعوة قال لي ذات مرة أن معلومات أمن الدولة عن الدعوة كانت دقيقة بدرجة 90% علي الأقل
  • رغم ذلك فإن التنظيم الشديد للدعوة سمح لها بالاستمرار رغم كل الضغوط الأمنية. اختفت الألقاب والمناصب والهياكل الإدارية ولم يعد لها وجود معلن، لكن أنشطة الدعوة استمرت. توزيع الزكاة استمر وإن بدرجة أقل  
  • استولت وزارة الأوقاف علي العديد من المساجد السلفية واستبدلت المئات منهم بأئمة الأوقاف المعتمدين، لكن نقص عدد الأئمة الرسميين سمح للدعاة السلفيين بالاستمرار في السيطرة علي العديد من المساجد خاصة التي تبعد عن قلب الأسكندرية، مثل منطقة العامرية ووادي القمروبركة السبع وغيرها
  • لم يعد هناك معاهد تمنح "الإجازة" لكن الدروس الدينية غير المنتظمة بعد صلاة العصر والعشاء كان لها دور هائل في جذب المزيد والمزيد من طلاب العلم الشرعي للدعوة
  • رغم كل التضييقات الأمنية أصبح للدعوة السلفية فروع في المحافظات، من القاهرة لأسوان. التيار السلفي بشكل عام كان موجود في كل أنحاء مصر، لكننا هنا نتحدث عن جماعة منظمة بعينها، هي "الدعوة السلفية"، التي صارت الأسكندرية عاصمتها وأئمة الدعوة فيها هم فقهائها الذين يتبعهم أعضاء ومنسقين في كل أنحاء مصر
  • شهدت فترة التسعينات ظاهرتين شديدي الأهمية
  • مع انحسار المطبوعات السلفية الدورية وحرمانهم من إصدار الصحف والمجلات، ازدهرت دور النشر الصغيرة التي تتولي طبع كتب التراث وكتب مشايخ الدعوة في طبعات شعبية.لم يهتم شيوخ الدعوة بالتصاريح والإجراءات القانونية وسمحوا للجميع بنقل وطبع كتبهم دون قيود. كل من حضر معرض القاهرة الدولي للكتاب في العقد الماضي يذكر الحضور السلفي المكثف لهذه الدور
  • ازدهرت في تلك الفترة الجمعيات الخيرية السعودية العالمية، وأهمها موسسة "رابطة العالمة الإسلامية" ومقرها السعودية، ومؤسسة "الحرمية الخيرية" ومقرها في باكستان لكن تمويلها سعودي. هذه المؤسسات بنت العديد من المساجد والمراكز الإسلامية في أنحاء أوروبا. وكانت هذه الجمعيات تستعين بمشايخ السلفية، وكثير منهم من أعضاء الدعوة السلفية، للخطابة والتدريس هناك لسنين عديدة وبمرتبات خيالية. وبعودة هؤلاء المشايخ لمصر أسسوا شركات استثمارية في كافة المجالات، بداية من المتاجر ومحلات الطعام، للمستشفيات وشركات تسويق الأدوية. وكان لهذه الشركات دور مهم في الحفاظ علي الدعوة وتمويلها بعد ذلك، وكثير من رجال الأعمال/المشايخ السلف هم الآن من أهمم ممولي حزب النور السلفي الذي سنتحدث عنه في حلقات لاحقة
  • انتهي دور هذه الجمعيات الخيرية الضخمة أوائل الألفينات بعد أن تم إغلاقها وتجميد أرصدتها بعد اتهامها بتمويل أنشطة إرهابية أعقاب سبتمبر 2001. لكن الدعوة السلفية والتيارات السلفية في العالم العربي أجمع كانت قد استفادت منها واستمرت في نشاطها، وبدأت الدعوة السلفية في مصر تطوير أساليبها مع مطلع القرن الحادي والعشرين مما هيئ لها أتباع وتنظيم محكم ظهر بعد الثورة، سنتحدث عنه غدا إن شاء الله.



Tuesday, August 2, 2011

الدعوة السلفية- الحلقة الثانية: مرحلة الازدهار

 
 
 
  • في الحلقة الأولي تحدثنا عن انفصال بعض أعضاء "الجماعة الإسلامية" في الأسكندرية وتكوينهم "المدرسة السلفية" التي تحولت إلي "الدعوة السلفية" عام 1984
 
  • دلالة تغير الاسم من "المدرسة" إلي "الدعوة" هو توسع نشاط المجموعة لتتخطي التدريس والوعظ إلي دور اجتماعي وتثقيفي أوسع
 
  • عدد المساجد بمصر أقل كثيرا من عدد أئمة الأوقاف. كما أن الكثير من أئمة الأوقاف ليسوا علي مستوي عال من الثقافة والتفقه. من هنا، استطاع أتباع الدعوة السلفية الانتشار في المساجد لسد هذه الفجوة ونشر فكرهم علي نطاق جغرافي أوسع
 
  • مع انتشار الفكر السلفي في أوساط واسعة وانضمام المزيد والمزيد من الأعضاء إلي الدعوة السلفية بالأسكندرية، أصبح بإمكان الدعوة التصدي لدور اجتماعي في رعاية الفقراء والأيتام من خلال إدارة الزكاة التي يجمعوها من المساجد ذات الأئمة التابعين للدعوة
 
  • الجيل المؤسس للدعوة السلفية قد تعلم فن التنظيم والإدارة من الجماعة الإسلامية. الجماعة الإسلامية كانت تقوم علي خلايا يرأسها "أمراء" للخلايا وصولا إلي أمير الأمراء في نظام هيراركي. أما الدعوة السلفية فكان عليها "قيم" بتشديد الياء وكسرها، يتولي إدارة شؤونها. وكان القيم هو الشيخ محمد عبد الفتاح، الذي لا يتمتع بكاريزما ونادرا مايظهر أو يخطب في العلن. لكن أعضاء الدعوة طالما شهدوا له بالتفوق في المهارات الإدارية.
 
  • استطاع أبو إدريس مع المجموعة المؤسسة للمدرسة السلفية، كالشيخ أحمد فريد والشيخ ياسر برهامي والشيخ سعيد عبد العظيم، والشيخ عبد المنعم الشحات وغيرهم إدارة الدعوة السلفية وتنظيمها بإحكام، فأقاموا لجان إعلامية ولجان تثقيفية ولجان للجامعات ولجان للزكاة وغيرها
 
  • في التعليم: عام 1986 أنشأت الدعوة "معهد الفرقان" بحي باكوس وأشرف عليه الشيخ أحمد حطيبة. الطالب المعهد كان يشترط أن يكون حافظا لعدة أجزاء من القرآن. ويدرس الطالب لمدة سنتين كاملتين في القرآن وتفسيره والسنة والفقه والنحو واللغة وغيرها . يمر الطالب بامتحانات عديدة إلي أن يحصل علي "الإجازة" وهي شهادة من الشيخ بأن تلميذه أصبح قادرا علي الخطابة. إنها شهادة ليست معترف بها من قبل الدولة، لكن من يحصل عليها يصبح خطيبا في مساجد الدعوة
 
  • في الإعلام: عام 1986 أنشأت الدعوة مجلة "صوت الدعوة" التي كانت تنشر آراء مشايخ الدعوة و"السبيل" التي كانت تهتم بأخبار العالم الإسلامي. هذه المجلات تثبت أن الدعوة السلفية كانت تنشر آرائها بصراحة ووضوح، ولم تكن "تختبئ" قبل الثورة كما يدعي البعض. لكن الإعلام وقتها، خاصة مع غياب الإعلام الخاص، كان يتجاهلهم تماما
 
  • في الجامعات: نظم طلاب الدعوة السلفية العديد من الفعاليات علي مدار السنين. كان من عادتهم تخصيص أسبوع بعينه لنشاط محدد. "أسبوع الحجاب" للتوعية بالزي الإسلامي مثلا، ومعارض كتب وندوات وتوزيع كتيبات وملصقات في الجامعة وغيرها
 
  • لم تعبأ الدولة بالدعوة السلفية لبعدها عن العمل السياسي. لكن مع ظهور موجة الإرهاب التي ضربت مصر في التسعينيات انتهي شهر العسل بين الدولة والدعوة السلفية فتعرضت للبطش من أجهزة أمن الدولة وتغيرت أساليبها. نتابع غدا في الحلقة الثالثة إن شاء الله
 


Monday, August 1, 2011

الدعوة السلفية: الحلقة الأولي- التاريخ والنشأة


قبل أن تقرأ:
-         الجمعة الماضية، 29 يوليو، ظهر "بن لادن" في ميدان التحرير. عشرات أو مئات الآلاف من السلفيين، تميزهم ملابسهم ولحاهم، تظاهروا في الميدان هدفهم "تطبيق الشريعة".
-         يتعامل البعض مع السلفيين كأنهم كائن خرافي ظهر فجأة بعد ثورة 25 يناير، ودون أدني معرفة بتاريخ هذا التيار الممتد من سبعينات القرن الماضي.
-         الهدف من هذه السلسلة هو التعريف بالدعوة السلفية في مصر، هذا الكيان السياسي الغامض الذي يجهل كثيرون تاريخه وأهدافه.
-         تعمدت أن تكون الحلقات مبسطة وقصيرة وسهلة الهضم، مقسمة إلي نقاط مختصرة،  تناسبا مع الحالة الذهنية للقارئ، ولي شخصيا، أثناء صيام الشهر الكريم.
-         حاولت بقدر الإمكان أن أسرد الوقائع والحقائق دون رأي أو تعليق.
-         من باب الأمانة الفكرية، فلابد أن أقول أني علماني أرفض خلط الدين بالسياسة، فلعل القارئ يعذرني إن غلبت علي أهوائي الشخصية دون قصد.

الحلقة الأولي: التاريخ والنشأة

-                   تشير كلمة "السلفية" إلي منهج فكري يدعو للتمسك بحذافير المذهب السني الإسلامي، ومصادره الرئيسية هي القرآن والحديث وحياة الخلفاء والصحابة والتابعين إلي غيرهم ممن يدعونهم "السلف الصالح".
-                   يعتمد هذا المنهج الفكري علي تغليب النقل علي الاجتهاد، ويميل أغلب أتباعه الجدد إلي اتباع المذهب الحنبلي وأئمته علي شاكلة "ابن تيمية" و"القيم بن جوزية"، وصولا إلي ورثيه في العصر الحديث، الحركة الوهابية في السعودية ومن أئمتها "ابن باز" و"ابن عثيمين".
-                   من هنا، فالسلفية تيار أو أيديولوجية واسعة، كالاشتراكية أو الليبرالية، تحوي داخلها عشرات التنظيمات السياسية التي تستخدم تكتيكات مختلفة ولها أولويات متباينة. 
-                   الغالبية العظمي من السلفيين في مصر ليسوا منتظمين في جماعة أوحزب، بل هم ملتزمون بالمنهج الفقهي وأسلوب الحياة والحرص علي ما يسمونه "الهدي الظاهر" أي اللحية والنقاب وغيرها من علامات الالتزام الديني.
-                   ما يعنينا هنا ليس فقه المذهب السلفي الذي من السهل التعرف عليه من خلال متابعة قنوات مثل "الناس" و"الحكمة وغيرها"، ولكننا سنركز علي أكبر تجمع سلفي منظم في مصر وهو ما يسمي "الدعوة السلفية"، وهو أكبر تيار سياسي سلفي نشط، خاصة بعد ثورة 25 يناير.  
-                   أوائل السبعينات نشأت جماعة إسلامية متطرفة تسمي نفسها "الجماعة الإسلامية"، تهدف إلي الانقلاب المسلح لإقامة دولة الخلافة الإسلامية. أشهر أعضائهم بالطبع هو عبود الزمر، قاتل أنور السادات.
-                   عام 1977، اعترض بعض أعضاء الجماعة الإسلامية في الإسكندرية علي أسلوب الصدام المسلح، مفضلين الأساليب السلمية في التغيير القائمة بشكل رئيسي علي التعليم والتثقيف.
-                   كان من أهم هؤلاء الأفراد المنفصلين هم الشيخ ياسر برهامي، الشيخ محمد عبد الفتاح وغيرهم، ويلاحظ أن أغلب المنفصلين كانوا طلبة في كليات علمية مثل الطب والهندسة وعلي مستوي عال من الثقافة والاجتهاد.
-                   عام 1979 قررت المجموعة المنفصلة أن تطلق علي نفسها "المدرسة السلفية" تمييزا لنفسها عن "الجماعة الإسلامية"، واقتصر النشاط الديني لأعضاء المدرسة السلفية علي نشر الفكر السلفي واجتذاب أعضاء جدد. لم تواجه الدعوة مشكلات مع الحكومة لالتزامها بالمنهج السمي ونبذ العنف.
-                   استمرت الدعوة في العمل ونشر أفكارها التي اقتصرت علي الالتزام الديني دون اصطدام بالحكومة ودون نشاط سياسي، وتوسع عدد أعضائها وأصبح لمشايخها شعبية كبيرة.
-                   عام 1984 غيرت المجموعة المؤسسة للمدرسة السلفية اسمها إلي "الدعوة السلفية"، وهو الاسم الذي تحتفظ به حتي الآن، وذلك للإشارة إلي أن نشاطها لم يعد يقتصر علي التعليم فقط، بل تعداه لأنشطة اجتماعية وثقافية مختلفة، نتعرف عليها في الحلقة المقبلة غدا إن شاء الله.  

Monday, May 23, 2011

عن الإنتاج الحربي ومحمد أبو العينين وفلوس الجيش

قبل انتخابات مجلس الشعب اللي فات، رحت أعمل تحقيق صحفي عن استخدام مرشحي الحزب الوطني للجمعيات الخيرية كستار لشراء الأصوات.

كان الاختيار لجمعية أبو العينين الخيرية لعضو مجلس الشعب محمد أبو العينين في الجيزة. قبل الانتخابات بـ3 أسابيع، أنشأت المؤسسة ما يسمي "السوق الخيري" في أرض فضاء ملك للمحافظة. فكرة السوق هي توفير مواد غذائية ومنزلية بأسعار رخيصة ومدعمة لأهالي المنطقة. وفي نفس الوقت، يكون البائعين من فقراء المنطقة ويكون لهم نسبة من الربح.

زي ماتوقعنا طبعا، كان كل البياعين هم ستات شديدي الفقر، أغلبهم مبيعرفش يقرا ويكتب، بيتكلموا بعفوية شديدة، وبيقولوا إن مؤسسة أبو العينين بتحفظهم قرآن وتديهم فلوس وتجمعهم وقت الانتخابات لعمل دعاية لرجل الأعمال في أوقات الانتخابات والمؤتمرات والذي منه. السوق استمر كام أسبوع لزوم الدعاية وانفض المولد وخلصت علي كدة.



الجزء اللي مكتبتوش هو الآتي: جميع السلع الغذائية والمنزلية اللي كانت موجودة في السوق كانت إهداء من مصانع الإنتاج الحربي. الجمعية رفعت يافطة لشكر القوات المسلحة، والقوات المسلحة أمرت بأنها تتشال فورا.

السلع الموجودة في السوق كله قيمتها متزيدش عن 20 أو 30 ألف جنيه. لكن الجمعية كانت بتدعي إن السلع تمنها 100 ألف جنيه، (الفرق بقي كان من عند الجمعية، ولو من عند توريدات الجيش؟؟؟).



طبعا ده بيفتح الباب أمام سؤال منطقي: ليه الانتاج الحربي يتبرع لجمعية ملك رجل أعمال من الحزب الوطني. هل كان ممكن يعمل كدة مع جمعية تنتمي لحزب تاني؟

طب إذا كان المشروع ده أصلا، وغيره كتير، مجرد وسيلة لاستغلال فقر الناس وشراء أصواتهم الانتخابية. مش ده يخلي مصانع الانتاج الحربي شريك في الجريمة؟؟



دي أسئلة مش حنلاقيلها إجابة، والحقيقة إن مافيش إعلام خاص أو قومي يقدر يطرح السؤال أصلا طول ماحنا عايشين في ظل دكتاتورية عسكرية، فيها الجيش أكثر قداسة من الذات الإلهية.



يسقط حكم العسكر

Tuesday, May 10, 2011

القصة الحقيقية للأخت عبير

1- عبير كانت مسيحية أسلمت من 3 سنين. أمام لجنة الأزهر قالت إنها آنسة وليست متزوجة وتم إثبات ذلك في ورقة إشهار إسلامها. إزاي؟ الله وأعلم. ثم قامت عبير بتغيير اسمها الرباعي. إزاي؟ الله وأعلم.

حدث فتنة طائفية غير مفهوم كيفية بدايتها يوم السبت اللي فات، وقال المسلمون المهاجمين إنها مخطوفة في كنيسة مارمينا.

2- الجماعة الإسلامية نشرت علي موقعها إنها كانت متزوجة من مسلم بعد أن انفصلت عن زوجها المسيحي. والجماعة قالت إن أحد أبناء قريتها استدل عليها وبلغ أهلها. وإن أهلها خطفوها وودوها الكنيسة، اللي فضلت ترحلها من مكان لمكان حتي استقرت في كنيسة مارمينا. واستطاعت عبير أن تحصل علي هاتف محمول بطريقة غير مفهومة وتتصل تستنجد بالشيخ الذي أسلمت علي يديه.

3- خرجت عبير بعد نشر الحوار بساعات علي قناة التحرير تقول إنها غير متزوجة من مسلم لأنها مانفصلتش عن زوجها المسيحي. وإنها مستنجدتش بحد ولا حاجة. لكنها أكدت إنها كانت محبوسة في كنيسة مارمينا.

4- اكتشفت الشرطة العسكرية إن الأخت عبير مكنتش محبوسة في كنيسة مارمينا ولا زفت. السبب الحقيقي للهجوم علي الكنيسة هو إن إخوات الأخت العبير ساكنين في شارع المشروع بإمبابة. وهي منطقة مليئة بالصعايدة الهاربين من تار. ما هو سبب قرارهم بالهجوم عليها يوم السبت بالذات؟ الله اعلم.

Monday, May 9, 2011

وقائع ليلة طويلة في كنيسة مارمينا



سلفيون يخططون لاقتحام الكنيسة..وكشف السرداب السري الذي تختفي فيه "الأخت عبير"
بث أحداث الفتنة مباشرة من "لاب توب" في الشارع إلي موقع بالتوك

كتب- أحمد عطية:

رائحة الموت والبارود تملأ الشوارع، ودخان الحرائق يغطي المشهد كله بالأسود الكئيب.

"لا إله إلا الله. بالروح بالدم نفديك يا إسلام".

حوالي 300 مسلم يرددون الهتاف في شارع المشروع في بشتيل بإمبابة، أمام كردون من مدرعات وجنود الشرطة العسكرية. يرتفع الهتاف كلما دوي صوت الرصاص الذي لا يعرف أحد مصدره بالضبط.

منتصف الليل يعلن مرور 8 ساعات من المصادمات الدامية، التي بدأت بوادرها الرابعة مساءا، بعد محاولة دخول بعض أهالي المنطقة من المسلمين إلي كنيسة ماري مينا لإنقاذ مسلمة يدعون أن الكنيسة قد اختطفتها.

الشارع ضيق، والزاوية الملتوية التي يتجمهر فيها للمتظاهرون أمام الكردون لا تسمح لهم إلا برؤية طرف بعيد من برج كنيسة ماري مينا التي يريدون اقتحامها. رغم ذلك يؤكد المتظاهرون أن الرصاص يأتي من داخل الكنيسة.

"دول كفرة ميعرفوش ربنا، وكل الكنايس فيها مخازن أسلحة"، يقول أحد المتظاهرين.

الادعاء نفسه قد ردده صحفي من جريدة يومية مستقلة في مداخلة هاتفية مع قناة الجزيرة مباشر مصر، حيث قال نصا "أن الكنيسة بتضرب نار علي الجيش"، وحين سأله المذيع إن كان رأي بنفسه طلقات النار تخرج من الكنيسة، تهرب من الإجابة بأنه قد رأي "شرارات نارية" عند الكنيسة، وروايات شهود عيان تؤكد أن إطلاق النار كان من داخل الكنيسة.

يزداد المتظاهرون حماسا، وتزداد أعدادهم، ولكن لا تتفق رواية اثنين منهم عن سبب الصدام.

"واحدة مسيحية بتحب مسلم وعايزة تتجوزه، وأهل المسيحية اتخانقوا مع أهل المسلم".

"واحدة مسيحية أسلمت والكنيسة خطفتها"

"واحدة مسيحية اسمها عبير جوزها مسلم الكنيسة خطفتها، ولما جوزها راح ياخدها قتلوه".

"مسلم لف علينا في المساجد وقالنا إن الكنيسة خطفت مراته لأنها كانت مسيحية وأسلمت".

تعددت الروايات والرغبة واحدة، اقتحام الكنيسة لإنقاذ عبير، التي لا يعرف أحد شكلها أو اسمها الكامل أو كيفية الاستدلال عليها. "دي مش أول مرة تحصل خناقة فيها ضرب نار"، يتحدث محمد، طالب جامعي من أهل المنطقة. ينظر محمد بأسي إلي المتظاهرين، مؤكدا ان خناقة عادية قد تحولت إلي مذبحة بالأسلحة النارية بين عائلتين منذ شهر ونصف شهر، في غياب كامل للأمن. أما السبب في فتنة "عبير" كما يروي محمد، فهو أحد أعضاء المجلس المحلي للمنطقة عن الحزب الوطني المحلول. "كلنا شفناه النهاردة وهو قاعد مع كذا أمين شرطة الصبح، والله العظيم هو أول واحد ضرب نار".

بث مباشر
عشرة دقائق مشيا في بعض الشوارع الجانبية المحيطة بالكنيسة كافية للالتفاف حول النقاط الأمنية والوصول إلي باب الكنيسة. يظهر جليا أن الرصاص لا يأتي من داخل الكنيسة ولكن من بعض البيوت المحيطة بها. المسلمون يرددون أن المسيحيين يطلقون النار من العمارات المحيطة بالكنيسة، والمسيحيين يؤكدون أن "السلفيين" قد تحصنوا ببعض العمارات المحيطة بعد أن طردوا أهلها.

المتظاهرون يحيطون بالباب من الناحيتين، فعلي يسار باب الكنيسة بحوالي 30 مترا يردد المتظاهرون "بالروح بالدم نفديك يا إسلام"، وعلي يمين الباب بثلاثين مترا أخري يردد المتظاهرون "مش حنسيبهم، مش حنسيبهم". وفي المنتصف يقف شعب الكنيسة المتحفز، ورجال الشرطة العسكرية تحاول تهدئتهم. في المنتصف رجل يحمل "لابتوب" ملئ بملصقات لصور المسيح، مزود بكاميرا وميكرفون موصول بالإنترنت اللاسلكي يفتح من خلاله إحدي غرف البالتوك المسيحية، وينشر علي الهواء مباشرة الهتافات وأصوات طلقات النار. وفي وسط كل ذلك، تحاول مجموعة أن تطفئ بقايا حريق قد اشتعل في محل أدوات كهربائية أمام باب الكنيسة مباشرة. "أنا مسلم، لكن همه مكانوش مفرقين بين حد. الضرب كان علي الكل"، يتحدث ياسر صاحب المحل، قائلا أن المهاجمين قد أشعلوا النيران في سوبرماركت "وادي الملوك" ومحل أحذية وعمارة سكنية مملوكة لمسيحيين، وطالته النيران ودمرت المحل بالكامل بالخطأ أو بالقصد، لا يعلم.

داخل الكنيسة، يعكف بعض الشباب علي تكسير أرضية ساحة الكنيسة وتخزين حجارتها استعدادا لاستخدامها في حالة نجاح المتظاهرين في اقتحام الكردون.

أما ساحة الصلاة، فقد تحولت إلي مستشفي ميداني. الأرض مغطاة بالدماء والشاش والملوث. أطباء ومتطوعين يعالجون عشرات الشباب قد خلعوا النصف الأعلي من ملابسهم لتنكشف وشوم الصلبان علي الأزناد، وصور المسيح أو العذراء فوق الصدور، والجروح النافذة والسطحية من الأحجار والأسلحة البيضاء والرصاص.

بداية الهجوم
جانب المذبح، كان البعض يبكي في صمت وهم يدفنون وجوههم في صورة المسيح والكتاب المقدس، وعلي يسار المذبح تقبع جثة "مدحت" الذي مات بطلقات نارية حية كما يؤكد الشهود العيان.

"مدحت مماتش"، تصرخ "أم مدحت" بهستيريا وهي تبكي بحرقة علي ابنها، الولد الوحيد بين 7 أخوات.

تتشابه روايات المصابين الذين لايفرقون في حديثهم بين "سلفي" و"إخوان" و"شيخ"، فهم يستخدمون الألفاظ الثلاثة لوصف أي رجل ملتح.

أبانوب يقول أنه سمع أن الكنيسة تتعرض للهجوم، فذهب ليري مايحدث، "ولاقيت سلفيين ضربوني بالشلاليت والبوكسات وبصقوا في وشي، وعوروني بمطواة".

أما مينا فيروي أن "مجموعة شيوخ كانوا عايزين يدخلوا الكنيسة بالعافية، ولما صديناهم ضربونا بالمطاوي والطوب، وبعد كدة ضرب النار اشتغل".

الأب هيرمينا يتجول في الكنيسة، يحاول طمئنة من حوله. "دول شوية بلطجية عايزين يقولوا للجيش انتم متقدروش علينا وإحنا حنفرض إرادتنا بالقوة"، يكتفي الأب هيرمينا بهذا التصريح وينشغل في محادثات هاتفية لا تنتهي. أما الأب أبانوب، فبدأ يتحدث إلي المتظاهرين باستخدام ميكرفون سيارة اسعاف أمام الكنيسة، "يا جماعة إحنا إخوات وكلنا أبناء وطن واحد".

الثانية صباحا، يدخل الشيخ بدر والشيخ محمد علي، أئمة مساجد بإمبابة، إلي داخل الكنيسة. يتحدثون في ميكرفون موصول بعدة سماعات خارج الكنيسة، "يا شباب 25 يناير، إحنا أبهرنا العالم كله في 18 يوم. هي دي نتائج ثورتنا؟".

المتظاهرون علي الجانب الأيسر من باب الكنيسة يستجيبون لمحاولات التهدئة، يبدأون في الهتاف "مسلم مسيحي، إيد واحدة" والانصراف تدريجيا، وهو ما كان سخرية للمسيحيين الذين رددوا "دلوقتي بتقولوا كدة بعد ماخربتوها؟ المفروض دلوقتي نقول حصل خير ونسقف للشيخ؟".

عصابة الأربعة
أما المتظاهرون علي الجانب الأيمن لباب الكنيسة، فلم تنجح معهم محاولات التهدئة. بالجانب الأيمن يتناقش 4 من ذوي اللحي الطويلة والشوارب المحفوفة والجلابيب القصيرة، "دول مش أهل ذمة لأنهم ضربوا علينا نار، يبقي لازم نقتحم الكنيسة ونجيب أختنا من جوة".

يتحدث رجل طويل القامة يقول أنه قد جاء خصيصا من مدينة السلام حيث يسكن بعد أن سمع أن "أخوته المسلمين يتعرضون لضرب الرصاص من النصاري". يقول الرجل أن عليهم بعد اقتحام الكنيسة أن يبحثوا تحت السجاجيد والأبسطة عن مداخل البدروم والسراديب السرية التي لاشك أنها المكان الذي سيجدون فيه أختهم عبير، "وممكن تلاقي السراديب دي بتوصل علي بيوت المنطقة اللي حواليها"، يردد آخر.

يقول الرجل الطويل المتزعم للمجموعة الملتحية، "النصاري حاطين بيعملوا أبواب عماراتهم حديد. حلو أوي، خذوا أنابيب البوتجاز اللي عندكم وولعوا فيها جوة العمارة واقفلوا الباب ده عليهم بالجنزير".

تلقي الفكرة استحسانا من المجموعة التي لاينتمي أغلبها للمنطقة، بل جاءوا من عين شمس والزيتون وغيرها من الأحياء بعد أن سمعوا الأنباء من غرف بالتوك. يقول الرجل "كاميليا ووفاء وغيرهم وغيرهم، نساء المسلمين بيتم اغتصابهم وتعذيبهم وكهربتهم جوة الكنايس. يلا بينا". ينادي الرجل علي مجموعة أخري ثم يبتعدوا عن باقي المتظاهرين ويختفون دون أثر.