Tuesday, December 31, 2013

هل فجر الإخوان المسلمون مديرية أمن الدقهلية؟


المتابعون للصحافة الأمريكية لاحظوا تجدد الجدل خلال الأيام الماضية حول ظروف مقتل السفير الأمريكي لليبيا جون ستيفنز العام الماضي
الرواية الأولى عن الحادث أشارت إلي فيلم "براءة المسلمين" الذي أثار غضب أهل بني غازي، فاقتحم المئات منهم القنصلية الأمريكية وشاركوا في إعدام جماعي لستيفنز
ثم ظهرت روايات أخرى تتهم تنظيم القاعدة بدبير الاقتحام واغتيال السفير، خاصة أن توقيت اغتياله تزامن مع الذكرى العاشرة ل ١١ سبتمبر، وأن الغضب الشعبي من الفيلم المسيئ للنبي محمد ماهو  إلا مصادفة سهلت العملية المخطط لها سلفا

بعد أشهر من التحقيق الصحفي وعشرات المقابلات مع الشهود العيان، كتب الصحفي الأمريكي دافيد كيركباتريك تقريره الحديث في جريدة نيويورك تايمز والذي أعاد الجدل مرة أخري، حيث يؤكد فيه أن "القاعدة" لم تكن ضالعة في الهجوم، وأنه لا يوجد أي دليل على الإطلاق يشير لتورط جماعات إرهابية دولية، بل إن جميع الأسماء المتهمة بقيادة الاقتحام هم قيادات محلية بعضهم حصل مباشرة على مساعدات من الولايات المتحدة والناتو، لكنها لم تكن كافية للحفاظ على ولائهم أو منع انتقامهم من الفيلم الأزمة
واجه كيركباتريك وصحيفته هجوما حادا من اليمين الأمريكي الذي اتهمهم بمحاولة غسل اسم القاعدة وتبرئتها من الهجوم الوحشي، واحتقار الجهود الأمريكية في محاربة الإرهاب الدولي
وفي مقابلة مع برنامج تليفزيوني، رد كيركباتريك على هذه الاتهامات بجملة بليغة قائلا
لو كنتم  تتهمون تنظيم القاعدة الذي أسسه بن لادن بالضلوع في هجوم بنغازي، فالإجابة هي لا، لا يوجد دليل على ذلك، أما إن كنتم تستخدمون اسم القاعدة لوصف أي تنظيم أو أفراد مسلمون سنيون يرفعون السلاح ضد الولايات المتحدة، فالإجابة حينها ستكون نعم

مجلة "نيويوركر" علقت على حوار دافيد في مقال رائع عنوانه: هل نستطيع أن نطلق اسم القاعدة على أي تنظيم؟
في هذا المقال، ناقشت المجلة نتيجتين كارثيتين للتسرع في إلصاق اسم القاعدة على جميع التنطيمات المسلحة: الأولى هو أن التوسع في اتهام كل الإسلاميين المسلحين بالانتماء للقاعدة يقلل من قدرات الولايات المتحدة على فهم أعدائها، والاختلاف بين استراتيجياتهم، وأساليب مجابهتهم
الثانية هي أن استخدام السمعة السيئة لاسم القاعدة وإطلاقه على كل أعداء أمريكا حول العالم يعطي ستار الشرعية لكل الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان والتي تتم باسم الحرب على الإرهاب  
 لا تدافع عن معتقلي جوانتانامو، فهم تابعون للقاعدة.. لا تتساءل عن قانونية الاغتيالات بالطائرات الموجهة عن بعد، فهي وسيلة آمنة لاغتيال قادة القاعدة، وهكذا


هل فجر الإخوان المسلمون مديرية أمن الدقهلية؟
الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال لا يجب أن تخضع لأي ميول سياسة أو أهداف أيديويولجية، فهو سؤال جنائي بحت، يحتاج لتحديد الجناة واستجوابهم ومحاكمتهم وتحديد ميولهم السياسية، وهي مهمة أكبر من قدرات الأجهزة الأمنية الفاشلة التي عجزت عن تحديد متهم واحد في تفجيرات طابا ، وكنيسة كل القديسين والهجوم على قسم كرداسة وغيرها. ولا ننسى أنه حتى في الحالات النادرة التي توصلت فيها الأجهزة الأمنية للجناة، فشلت في اختراق شبكاتهم المعقدة، فعلى سبيل المثال، لايزال هناك ١٣ متهما مجهولا، علي الأقل، في حادث تفجير عبدالمنعم رياض والسيدة عائشة في ٢٠٠٥

الإرهاب في مصر أشكال وأنواع، فمنه ماهو محلي المنشأ بداية من تنظيم التكفير والهجرة وحتى أنصار بيت المقدس. ومنه ما له اتصالات دولية وعربية مثل خلايا القاعدة في سيناء وتنظيم شورى المجاهدين. من الإرهابيين جهلة وأميون يدفعهم دعاة التطرف لتنفيذ عمليات فردية مثل قتل فرج فودة أو محاولة قتل نجيب محفوظ، ومن الإرهابيين من لهم خلفية عسكرية مثل عصام القمري وخالد الإسلامبولي، وحتى وليد بدر الذي حاول اغتيال وزير الداخلية الحالي، والقائمة تطول

السياسة وحدها كانت الدافع لاتهام جماعة الإخوان المسلمين بتفجير المنصورة دون تقديم دليل مادي جنائي واحد يؤكد أو ينفي تورطها، وتظل "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" قاعدة ثابتة راسخة لا مجال لتجاهلها حتى في حالات الطوارئ ومحاربة الإرهاب



أما الاستسهال وإطلاق لفظ الإخوان على كل أعداء الدولة من الإسلاميين، فسيؤدي لنتائج لا تختلف كثيرا عن السياسة الأمريكية بوصم جميع أعدائها أنهم تابعون لتنظيم القاعدة: فشل في القدرة على   مجابهة الإرهاب وفهم أسبابه، وتبرير مستديم لانتهاكات بشعة لحقوق الإنسان 

Saturday, December 14, 2013

النكسة القادمة


في مشهد بديع من فيلم “أيام السادات” تركض ميرفت آمين "جيهان" لتزف الخبر السعيد لأحمد زكي "السادات": "سمعت يا أنور؟ وقعنا ٩٠ طيارة لغاية دلوقتي". 
يرد أنور بصوت غاضب مكتوم: "همممم.. وهمه وقعوا كام؟ الخساير عادة بتبقى حوالي ٢٠٪. معنى كدة أنهم هجموا ب٥٠٠ طيارة. وقع منم ٩٠ يبقى ٤٠٠ عملوا إيه؟".
الحسبة منطقية.. فإما أن الدفاع الجوي المصري عام ٦٧ قد أسقط ٩٠ طائرة إسرائيلية بالفعل- وهو مايعني أن هناك ٤٠٠ طائرة أخرى على الأقل تشارك في الهجوم، وقادرة على دك مدن مصر ومساواتها بالأرض من القناة إلى أسوان- أو أن  الرقم كاذب. 
لا أعلم مدى الدقة التاريخية للفيلم ومدى مطابقة المشهد للواقع، لكني أظن أن السادات لم يكن وحده في مصر من توصل لهذه النتيجة مبكرا. أتخيل قلة متناثرة من المصريين الذين لا يعرفون بعضهم البعض، وكل منهم يظن أنه الوحيد من نوعه، يستمعون للراديو فرادى، يحللون الأرقام والأنباء، يستنتجون أن كل ذلك كذبة كبيرة لتغطية هزيمة عسكرية ساحقة. ينظرون لأقاربهم وأصدقائهم، ويشعرون تجاههم بالشفقة على جهلهم بالمستقبل الأسود، والغضب الشديد على سذاجتهم وانسياقهم الأعمي وراء البرواباجندا. 
هل أسر أحد منهم بما يجول في نفسه لصديق مقرب؟ ربما، لكن الأكيد أنهم لم يجاهروا بما توصلوا إليه في العلن.
تخيل السادات نفسه يقف في مقهى شعبي، يتحدث لجموع المواطنين الفرحين بنشوة سحق العدو الصهيوني، ويحلل لهم الموقف المنطق بالعقل والمنطق كما فعل مع زوجته في الفيلم؟ سينهال المواطنون عليه لعنا وتحقيرا، وسيتهموه بالخيانة لأنه يشكك في جيش مصر العظيم، وقائده الهصور. سيؤكد أحدهم أن مايقوله مخطط صهيوني لزعزعة الاستقرار وإضعاف الجبهة الداخلية، ولربما تطوع آخر بتكسير كراسي المقهى على رأسه قبل أن يسلمه  للشرطة بتهم العمالة والتجسس،. ولن تنفعه محاولات النقاش المنطقي في اقناع الغوغاء أن الأرقام لا تكذب، وأن الفعل الوطني الحقيقي هو حماية البلد من خطر قائدها الفاشل الذي سيلحق بها هزيمة مهينة. 
غير أن كل مشاعر الوطنية الفياضة لا تشتري رغيف عيش، وكل الأناشيد الوطنية لا تمس طائرات العدو بسوء، وكل كتبة الأعمدة ومذيعي الأثير وشعراء النظام لم يحموا البكباشي من فشل حكومته وانهيار جيشه. 
أعزائي "النوشتاء" و"الحكوكيين" أعضاء الطابور الخامس، عملاء الخارج، خونة الداخل... لا تجزعوا من هول شعبية النظام الغبي، فمهما تسابق المتسابقون في تمجيده، وتهافت المتهافتون وفي تفخيمه، واسترزق المسترزقون من شتيمة ولعن وتشويه أعدائه، سيظل عاجزا هشا.. أتفه من آن يوفر أنبوبة بوتاجاز للفقراء، أغبى من أن يصلح نظام التعليم، أفشل من أن يوفر العيش والدواء.. النكسة آتية لا ريب فيها. .والنصر أيضا.