Sunday, April 19, 2015

ماتخفيه ابتسامة الجفري



في مناظرته الممتدة 4 ساعات على فضائية (سي بي سي) المصرية، يدافع الحبيب علي الجفري عن الفقهاء والأئمة الذين أباحوا زواج الأطفال الرضع. أكد الشيخ على أنه يرفض مثل هذه الممارسات اليوم، لكن فقهاء الأمس كان لهم عذرهم في اجتهادهم نظرا لظروف المجتمع.
من أجل توضيح وجهة نظره، يطلب منا الجفري تخيل السيناريو التالي:
"أب عنده السرطان.. يشعر هذا الأب أنه على وشك أن يموت بعد 3 أو 4 أشهر. ليس له أقارب أو إخوان أو أولاد عم.. مقطوع من شجرة.. يعرف شخص يأتمنه على خلقه أو على دينه، يقول له أنا سأعقد لك على ابنتي، في مجتمع لم يكن فيه دار أيتام ولا شيئ من هذا الأمر.. وأنت بعهد الله وأمانته، والقاضي موجود والدولة موجودة، أنه لايتم الدخول ولايتم المساس بها حتى تتأهل لذلك.. هذا النوع من المخرج لمشكلة قد تحصل استثناء".
كيف يمكن لمجتمع أن يكون به دولة وقاض من القدرة والسلطة على حماية رضيعة من الإساءة والاغتصاب داخل منزل زوجها، لكنها تعجز في ذات الوقت أن تبني دارا للأيتام أو توفر لهم نظاما تكافليا تقوم عليه مرضعات أو عواقر؟

ننحي هذه النقطة جانبا.. كل شيئ جائز.. فلنحاول أن نكمل السيناريو على استقامته.. يحمل الرجل زوجته الرضيعة على كتفه، يقضي 3 سنوات يمسح لعابها وبرازها وبولها، يدفع أجر المرضعة (أو ربما يوكل هذه المهمة لإحدى إمائه أو زوجاته الأخريات؟). يعلمها الكلام والمشي، ولربما يلعب معها بالكرة والخذروف والأراجيح، لكنه أيضا يوبخها إن أهملت أو زادت في لهوها، فهو لايريد لزوجته أن تكون فاسدة مستهترة.

 يكمل الزوج دوره العظيم في تربية الفتاة حتى "تتأهل لذلك".. عندها يصلي الزوج مع زوجته ركعتين ويسمي الله "اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان مارزقتنا"، ويطلب منها وهو يخلع ملابسه أن تنظر إليه بعين العشيقة بدلا من عين الابنة، وأن تتناسى تعليماته القديمة عن توقير الكبير وحكم قول "الأف" للآباء، لتستذكر أحكام الفراش وآداب الجماع.

ترى، هل من المفترض أن يستأذن الزوج أولا من الدولة والقاضي قبل الدخول حتى تحل البركة على الزواج الميمون؟

يعي الجفري أن حديثه قد يثير الاستنكار والهجوم، لذلك استكمل قائلا:
"وأنا أتكلم الآن، أعرف أن الآلاف لن يقبلوها مني (يقصد السيناريو المطروح)، تعرف ما الذي يجعلها غير مقبولة؟ الواقع السيئ القذر الذي نعيشه، الذي أصبح فيه الآباء فقدوا معنى المسؤولية  تجاه أبوتهم".
يقع الحبيب هنا في تناقض عجيب، فهو تارة يقول أن زواج الرضع مخرج لمشكلة شاذة في مجتمع بدائي، حتى أن الآباء يضطرون إلى تزويج بناتهم في المهد لحمايتهن من مصير مظلم، أما واقع اليوم، المُشمئز من تلك الزيجات، هو قذر وسيئ!
وإن كان رجال الأمس على قدر أرقى من الأخلاق والورع من رجال اليوم، أفلا يثق ذلك الأب المنتظر للموت في "الزوج الشهم" فيطلب منه تبني الفتاة وتربيتها ورعايتها حتى سن تشب فيه وتتزوج؟ وإن استحال على رجال الأمس أن يثقوا في رجل أن يرعى طفلة رضيعة دون أن يشتهيها ويحلم كل يوم بالوقت الذي ستطيق فيه نكاحه، فأي واقع أسوأ وأقذر من هذا؟  

هذه التناقضات وغيرها هي المصير الذي سيلقاه كل من يصر على أن تراثنا الإسلامي ليس به شوائب أو عوار جذري يحتاج إلى مراجعة شاملة، أو أن احترام الأئمة يقتضي كل هذا اللف والدوران بدلا من المواجهة والمصارحة بأن مثل هذا التفكير لايشير إلى خطأ هين، بل إلى مشكلة جذرية في إطارهم الفكري.

 تراثنا الإسلامي به كوارث.. يحتاج إلى إعادة نظر شجاعة وعلمية وأمينة وشاملة.. لن تكفي كل الابتسامات الساحرة للحبيب علي الجفري أو غيره من الـtelevangelists  على إخفاء منطق تبريره المتهافت. 

Tuesday, December 31, 2013

هل فجر الإخوان المسلمون مديرية أمن الدقهلية؟


المتابعون للصحافة الأمريكية لاحظوا تجدد الجدل خلال الأيام الماضية حول ظروف مقتل السفير الأمريكي لليبيا جون ستيفنز العام الماضي
الرواية الأولى عن الحادث أشارت إلي فيلم "براءة المسلمين" الذي أثار غضب أهل بني غازي، فاقتحم المئات منهم القنصلية الأمريكية وشاركوا في إعدام جماعي لستيفنز
ثم ظهرت روايات أخرى تتهم تنظيم القاعدة بدبير الاقتحام واغتيال السفير، خاصة أن توقيت اغتياله تزامن مع الذكرى العاشرة ل ١١ سبتمبر، وأن الغضب الشعبي من الفيلم المسيئ للنبي محمد ماهو  إلا مصادفة سهلت العملية المخطط لها سلفا

بعد أشهر من التحقيق الصحفي وعشرات المقابلات مع الشهود العيان، كتب الصحفي الأمريكي دافيد كيركباتريك تقريره الحديث في جريدة نيويورك تايمز والذي أعاد الجدل مرة أخري، حيث يؤكد فيه أن "القاعدة" لم تكن ضالعة في الهجوم، وأنه لا يوجد أي دليل على الإطلاق يشير لتورط جماعات إرهابية دولية، بل إن جميع الأسماء المتهمة بقيادة الاقتحام هم قيادات محلية بعضهم حصل مباشرة على مساعدات من الولايات المتحدة والناتو، لكنها لم تكن كافية للحفاظ على ولائهم أو منع انتقامهم من الفيلم الأزمة
واجه كيركباتريك وصحيفته هجوما حادا من اليمين الأمريكي الذي اتهمهم بمحاولة غسل اسم القاعدة وتبرئتها من الهجوم الوحشي، واحتقار الجهود الأمريكية في محاربة الإرهاب الدولي
وفي مقابلة مع برنامج تليفزيوني، رد كيركباتريك على هذه الاتهامات بجملة بليغة قائلا
لو كنتم  تتهمون تنظيم القاعدة الذي أسسه بن لادن بالضلوع في هجوم بنغازي، فالإجابة هي لا، لا يوجد دليل على ذلك، أما إن كنتم تستخدمون اسم القاعدة لوصف أي تنظيم أو أفراد مسلمون سنيون يرفعون السلاح ضد الولايات المتحدة، فالإجابة حينها ستكون نعم

مجلة "نيويوركر" علقت على حوار دافيد في مقال رائع عنوانه: هل نستطيع أن نطلق اسم القاعدة على أي تنظيم؟
في هذا المقال، ناقشت المجلة نتيجتين كارثيتين للتسرع في إلصاق اسم القاعدة على جميع التنطيمات المسلحة: الأولى هو أن التوسع في اتهام كل الإسلاميين المسلحين بالانتماء للقاعدة يقلل من قدرات الولايات المتحدة على فهم أعدائها، والاختلاف بين استراتيجياتهم، وأساليب مجابهتهم
الثانية هي أن استخدام السمعة السيئة لاسم القاعدة وإطلاقه على كل أعداء أمريكا حول العالم يعطي ستار الشرعية لكل الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان والتي تتم باسم الحرب على الإرهاب  
 لا تدافع عن معتقلي جوانتانامو، فهم تابعون للقاعدة.. لا تتساءل عن قانونية الاغتيالات بالطائرات الموجهة عن بعد، فهي وسيلة آمنة لاغتيال قادة القاعدة، وهكذا


هل فجر الإخوان المسلمون مديرية أمن الدقهلية؟
الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال لا يجب أن تخضع لأي ميول سياسة أو أهداف أيديويولجية، فهو سؤال جنائي بحت، يحتاج لتحديد الجناة واستجوابهم ومحاكمتهم وتحديد ميولهم السياسية، وهي مهمة أكبر من قدرات الأجهزة الأمنية الفاشلة التي عجزت عن تحديد متهم واحد في تفجيرات طابا ، وكنيسة كل القديسين والهجوم على قسم كرداسة وغيرها. ولا ننسى أنه حتى في الحالات النادرة التي توصلت فيها الأجهزة الأمنية للجناة، فشلت في اختراق شبكاتهم المعقدة، فعلى سبيل المثال، لايزال هناك ١٣ متهما مجهولا، علي الأقل، في حادث تفجير عبدالمنعم رياض والسيدة عائشة في ٢٠٠٥

الإرهاب في مصر أشكال وأنواع، فمنه ماهو محلي المنشأ بداية من تنظيم التكفير والهجرة وحتى أنصار بيت المقدس. ومنه ما له اتصالات دولية وعربية مثل خلايا القاعدة في سيناء وتنظيم شورى المجاهدين. من الإرهابيين جهلة وأميون يدفعهم دعاة التطرف لتنفيذ عمليات فردية مثل قتل فرج فودة أو محاولة قتل نجيب محفوظ، ومن الإرهابيين من لهم خلفية عسكرية مثل عصام القمري وخالد الإسلامبولي، وحتى وليد بدر الذي حاول اغتيال وزير الداخلية الحالي، والقائمة تطول

السياسة وحدها كانت الدافع لاتهام جماعة الإخوان المسلمين بتفجير المنصورة دون تقديم دليل مادي جنائي واحد يؤكد أو ينفي تورطها، وتظل "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" قاعدة ثابتة راسخة لا مجال لتجاهلها حتى في حالات الطوارئ ومحاربة الإرهاب



أما الاستسهال وإطلاق لفظ الإخوان على كل أعداء الدولة من الإسلاميين، فسيؤدي لنتائج لا تختلف كثيرا عن السياسة الأمريكية بوصم جميع أعدائها أنهم تابعون لتنظيم القاعدة: فشل في القدرة على   مجابهة الإرهاب وفهم أسبابه، وتبرير مستديم لانتهاكات بشعة لحقوق الإنسان 

Saturday, December 14, 2013

النكسة القادمة


في مشهد بديع من فيلم “أيام السادات” تركض ميرفت آمين "جيهان" لتزف الخبر السعيد لأحمد زكي "السادات": "سمعت يا أنور؟ وقعنا ٩٠ طيارة لغاية دلوقتي". 
يرد أنور بصوت غاضب مكتوم: "همممم.. وهمه وقعوا كام؟ الخساير عادة بتبقى حوالي ٢٠٪. معنى كدة أنهم هجموا ب٥٠٠ طيارة. وقع منم ٩٠ يبقى ٤٠٠ عملوا إيه؟".
الحسبة منطقية.. فإما أن الدفاع الجوي المصري عام ٦٧ قد أسقط ٩٠ طائرة إسرائيلية بالفعل- وهو مايعني أن هناك ٤٠٠ طائرة أخرى على الأقل تشارك في الهجوم، وقادرة على دك مدن مصر ومساواتها بالأرض من القناة إلى أسوان- أو أن  الرقم كاذب. 
لا أعلم مدى الدقة التاريخية للفيلم ومدى مطابقة المشهد للواقع، لكني أظن أن السادات لم يكن وحده في مصر من توصل لهذه النتيجة مبكرا. أتخيل قلة متناثرة من المصريين الذين لا يعرفون بعضهم البعض، وكل منهم يظن أنه الوحيد من نوعه، يستمعون للراديو فرادى، يحللون الأرقام والأنباء، يستنتجون أن كل ذلك كذبة كبيرة لتغطية هزيمة عسكرية ساحقة. ينظرون لأقاربهم وأصدقائهم، ويشعرون تجاههم بالشفقة على جهلهم بالمستقبل الأسود، والغضب الشديد على سذاجتهم وانسياقهم الأعمي وراء البرواباجندا. 
هل أسر أحد منهم بما يجول في نفسه لصديق مقرب؟ ربما، لكن الأكيد أنهم لم يجاهروا بما توصلوا إليه في العلن.
تخيل السادات نفسه يقف في مقهى شعبي، يتحدث لجموع المواطنين الفرحين بنشوة سحق العدو الصهيوني، ويحلل لهم الموقف المنطق بالعقل والمنطق كما فعل مع زوجته في الفيلم؟ سينهال المواطنون عليه لعنا وتحقيرا، وسيتهموه بالخيانة لأنه يشكك في جيش مصر العظيم، وقائده الهصور. سيؤكد أحدهم أن مايقوله مخطط صهيوني لزعزعة الاستقرار وإضعاف الجبهة الداخلية، ولربما تطوع آخر بتكسير كراسي المقهى على رأسه قبل أن يسلمه  للشرطة بتهم العمالة والتجسس،. ولن تنفعه محاولات النقاش المنطقي في اقناع الغوغاء أن الأرقام لا تكذب، وأن الفعل الوطني الحقيقي هو حماية البلد من خطر قائدها الفاشل الذي سيلحق بها هزيمة مهينة. 
غير أن كل مشاعر الوطنية الفياضة لا تشتري رغيف عيش، وكل الأناشيد الوطنية لا تمس طائرات العدو بسوء، وكل كتبة الأعمدة ومذيعي الأثير وشعراء النظام لم يحموا البكباشي من فشل حكومته وانهيار جيشه. 
أعزائي "النوشتاء" و"الحكوكيين" أعضاء الطابور الخامس، عملاء الخارج، خونة الداخل... لا تجزعوا من هول شعبية النظام الغبي، فمهما تسابق المتسابقون في تمجيده، وتهافت المتهافتون وفي تفخيمه، واسترزق المسترزقون من شتيمة ولعن وتشويه أعدائه، سيظل عاجزا هشا.. أتفه من آن يوفر أنبوبة بوتاجاز للفقراء، أغبى من أن يصلح نظام التعليم، أفشل من أن يوفر العيش والدواء.. النكسة آتية لا ريب فيها. .والنصر أيضا. 

Sunday, May 12, 2013

تحذير العباد من بوليصة CIL


- منذ 4 سنوات تقريبا، عرض علي مندوب من شركة تأمين CIL التابعة لبنك CIB شراء بوليصة تأمين على الحياة، بحيث أدفع قسطا شهريا، يتم استثماره بأشكال مختلفة، أختارها أنا، والحصول على الفائدة بعد 10 سنوات، على أن يكون من حقي إلغاء البوليصة وتسييلها بعد 4 سنوات.

- لست ناجحا جدا في التوفير، كما إن عملي يوم فوق ويوم تحت، فكانت فكرة "التوفير الإجباري" بالنسبة لي مغرية، ولا أمانع بالطبع من الحصول على ربح ما في المستقبل القريب أو البعيد.. اشتريت البوليصة بقسط شهري 350 جنيه شهريا.

- منذ حوالي 5 أشهر، عرضت علي مندوبة جديدة من نفس الشركة، (الأستاذة ب)  زيادة قيمة البوليصة، وهو ما كنت أنويه بالفعل..  طلبت بشكل واضح وصريح ولا يحتمل اللبس زيادة قيمة البوليصة من 350 إلى ألف جنيه شهريا. أعطتني (الأستاذة ب) بوجه باسم عقد جديد، مضيت عليه مطمئنا بعد الاتفاق معها على ما أريد.

- كنت أراجع بعض المعاملات المادية بحسابي، فاكتشتف شيئا غريبا. أن البنك يسحب مني بشكل ثابت مبلغ 1300 جنيه شهريا. اتصلت بالبنك لاستفتسر عما حدث. اكتشفت أني ببساطة تعرضت لنوع من الخديعة. (الأستاذة ب) بدلا من أن ترفع قيمة البوليصة القديمة، أعطتني عقد بوليصة جديدة، وبنص العقد لا يمكنني فسخها إلا بعد 4 سنوات... بقيت بادفع قيمة بوليصتين، وبادفع المصاريف الإدارية مرتين، وأنا مش واخد بالي!

- طلبت من البنك فض الالتباس، فاتصلت بي (الأستاذة ب) بعد أقل من نصف ساعة، وأخذت تتغزل في مزايا البوليصة الجديدة ومميزاتها الرائعة. قلت لها، ليس هذا ما طلبته، ولا يهمني كمية الربح منها. يهمني أن تنفذي ما أطلبه أنا، وليس ما تقرريه أنت! قالت لي "أنت مضيت على العقد، يبقى بص عليه وشوفه. مينفعش تفسخ العقد غير بعد 4 سنين".

- السؤال الذي قد يدور في ذهنك الآن، عزيزي القارئ، ما الذي يدفع (الأستاذة ب) لهذا التصرف؟ أقولك... مندوبي شركات التأمين التابعة للبنوك، يعملون بنظام الكوتة، أي أن كل مندوب عليه أن يحقق ربح مادي شهري واضح، يصل إحيانا إلى 70 ألف جنيه في الشهر الواحد.
- كيف يتم حساب الربح؟ أقولك.. العميل الأولاني مضى عقد بألف جنيه في الشهر، يبقى 12 ألف جنيه في السنة.. العميل التاني ألفين جنيه في الشهر، يبقى 24 ألف جنيه في السنة.. يبقى كدة المندوب حصل على 36 ألف جنيه في الشهر.. وهكذا، لو مقدرش يكمل الكوتة، يتخصم من مرتبه، ولو قدر يكسب أكتبر من المطلوب، ياخد مكافأة (بونس).

- بعض هؤلاء المندوبين معدومي الضمير، فيوهمون العميل  بأرباح وهمية مستقبلية، أو يعتمدون على "عبط" العميل في عدم التدقيق فيما يوقع عليه (زي ماحصل معايا.. أنا فعلا عبيط إني طلبت منها حاجة، ثم مضيت على العقد وأنا متخيل إنه حيبقى نفس الحاجة اللي طلبتها).. أو أي حاجة تانية للحصول على أكبر كم ممكن من فلوس العميل، وتحقيق "التارجت".

- ما علينا.. ذهبت إلى بنك CIB اليوم، لغيت البوليصة القديمة نهائيا وأسلت المبلغ المودع بها. خفضت قيمة البوليصة الجديدة من ألف جنيه، إلى أقل قيمة ممكنة، 250 جنيه.. اتصلت بخدمة العملاء وطلبت منهم إلغاء كارت التسوق عبر الإنترنت وإسالة الوديعة المربوطة به.. خلال أسبوع هاكون أنهيت كل المعاملات المادية وصفيت كل الحسابات مع البنك. للأسف مضطر أخلي الحساب مفتوح لأن البوليصة الملعونة بتجبرني على ده، لكن مش حاخلي في الحساب أكتر من القسط الشهري 250  جنيه.. لحد مايعدي 4 سنين، أقدر أقفل خلالها الحساب مع البنك نهائيا.

- النهاردة حاكتب جواب أبعته لمدير شركة CIL  في التجمع الخامس بالوقائع التي حدثت، لا لشيئ غير عشان أقوله إن أنت مشغل معاك شوية ناس معندهاش ضمير.. نوع من "فش الغل" مش أكتر.. بالمناسبة، لو عايز تقدم أي شكوى، ابعتها على المكتب الرئيسي. أحد أصدقائي في البنك قالي صراحة إن الشكاوى ممكن تتقطع ومتروحش المقر الرئيسي من الأساس.

- - حاليا بادور على بنك جديد محترم أفتح فيه حساب، وفيه سيرفيس كويسة.. عارف إن ده صعب، خصوصا إن في غياب منظمات مجتمع مدني قوية لحماية المستهلك، فالواحد بيبقى ملطشة تارة للبنك، وتارة لشركة المحمول، ولأي شركة حقيرة تانية...لكن عموما، لو حد عنده نصيحة ببنك كويس، يا ريت يقولي في الكومنتس أو على تويتر.. شكرا :-) 

Thursday, May 9, 2013

"أحا فشخ".. عن النسويات في بر مصر


عام 1996، كتبت المؤلفة والشاعرة والحكائة الأمريكية إيف إنسلر مسرحية "مونولوجات المهبل" The Vagina Monologues، القائمة على تقمص إيف لعدة شخصيات واقعية وحقيقية تروي من خلالها قصص معاناة النساء في الولايات المتحدة وحول العالم.

تحولت المسرحية إلى حركة نسوية قوية، وتُرجمت لأكثر من 48 لغة، وبدأت النسويات في محاكاة مشروع السرد بطرق وبلاد مختلفة، رأينا منها في مصر مشروع "بصي".

لفت انتباهي أن النسخة الأصلية من المسرحية كانت تحوي قصة أثارت هجوما شديدا على إيف، والتي تتناول فيها قصة مراهقة أمريكية ينشأ بينها وبين سيدة أكبر منها بأكثر من 10 سنوات علاقة جنسية، تصفها برومانسية شديدة، وتتحدث عن الأثر الإيجابي لهذه العلاقة في حياتها.

سبب الجدل بالطبع، هو أن النقاد اتهموا إيف بإضفاء طابع رومانسي على الاغتصاب، فالفتاة المراهقة تصف محاسن علاقتها بامرأة ناضجة.. لو كانت العلاقة بينها وبين رجل، لما اختلاف اثنان أنها علاقة محرمة يجرمها القانون والعرف، وفيها استغلال واضح من الطرف الأكبر سنا لطفلة ليست كاملة النضج.

اضطرت إيف إلى تغيير النص تارة، وإلغائه نهائيا من العرض المسرحي، مبررة ذلك أن مشروع المونولوجات صارت أكبر من "غرورها الأدبي"، وأن القصة رغم أنها حقيقية إلا أن إلغائها ضرورة، في سبيل وصول الرسالة إلى جمهور أوسع سيتجاهل مضمون المسرحية كله بسبب اعتراضه على جزء منها.


أتذكر موقف إيف، كلما رأيت "تلاميذها" في مصر يفعلون العكس بالضبط، فهم يضحون بمساحات هائلة من التواصل مع جمهور أوسع في سبيل حرية استخدام ألفاظ بذيئة.

بداية، ليس عندي أي مشكلة شخصية، ولا تحمر وجنتي خجلا حين تصف صديقة فلان بأنه "بضان"، أو تشتمه بكس أمه. ليس عندي فارق بين أن أسمع "الأحا" من رجل أو فتاه.. لكني، وأفترض هنا أني أتحدث بلسان عدد لا بأس به من الرجال، لست الجمهور المستهدف، فلم أتحرش بامرأة في حياتي، أو أحكم عليها بملابسها أو طريقة حديثها.

أتعجب حقا حين تسرف مدونات وناشطات وكاتبات في استخدام ألفاظ خارجة للحديث عن مكافحة التحرش. الجمهور نوعان، نوع مثلي لن يعبأ بالألفاظ القبيحة، ولكن المقال لن يفيده أو يضره، ونوع آخر سيُصدم من الألفاظ القبيحة لدرجة ستصرفه عن مغزى المقال من الأساس.

المعضلة الثانية في استخدام اللغة البذيئة، هي أن الحركة النسوية دائما، في كل زمان ومكان، ما تعمل بمهمة "شرطي اللغة"، فهن ينتقدن ذكورية اللغة وعنصريتها ويحاولن تعديلها، فتصر النسويات، على سبيل المثال،  استخدام firefighter  وcamera person بدلا من camera man  و fireman

أتعجب جدا حين تكتب ناشطة نسوية أن المؤسسات الدينية "فشخت" الشعب في أفكاره.. واللفظ بين القوسين لفظ جنسي معبر عن الفحولة الذكورية بشكل قبيح وقذر ومتدني.

أتعجب حين تلجأ أخرى لوصف شخص ما بأنه """"معرص، وهو لفظ يُطلق أصلا على الرجل الذي لا يحمي شرف امرأته و"يشكمها".  
كيف من المفترض أن يتعلم المجتمع لغة تحترم المرأة من نساء وقعن في أسر مفردات الرجل الذكورية المتعفنة التي يدعين محاربتها؟

فكرت أن النسويات يحاولن استخدام نفس الألفاظ الذكورية في السخرية منه، وفي توظيفها بشكل مختلف كنوع من إعادة سيطرتهن عن اللغة، مثلما يحاول بعض السود في أمريكا استخدام لفظ Nigger في أغنيات الراب، وهو اللفظ الذي كان يُطلق كنوع من التحقير وإثارة الاشمئزاز العنصري منهم.

سرعان ما نفضت الفكرة من رأسي، فمستوى الكتابات الرديئة لا يشي بفكر عميق أو نقاش موسع لانتقاء الألفاظ... ويبدو أن الحل  أن أتوقف أنا عن قراءة هذا الهراء وأريح دماغي!

Friday, May 3, 2013

"أنا من نسل النبي".. وأساطير أخرى عن الانتماء لآل البيت


كنت أجلس مع عدد من الأصدقاء الأمريكان والعرب من مختلف الجنسيات في إحدى بارات العاصمة الأمريكية واشنطن دي-سي، حين لاحظت أن الصديق السوري (حسن) يكاد يتلاحم مع الصديقة السورية (سلوى) على ساحة الرقص. لاحظت بعدها أن الصديق السوري (محمود) حاول إبعادهما عن بعض بشكل غير مباشر، ثم انفرد حسن ومحمود وبدا أن هناك شجارا لفظيا بينهما
حاولت التدخل لمعرفة ما يحدث بالضبط وسبب الخلاف  بين حسن ومحمود، الأسماء كلها هنا قد تم استبدالها، وفهمت أن سبب الخلاف هو أن محمود وحسن ينتميان للطائفة العلوية، في حين تنتمى سلوى للسنة، وأن محمود، رغم وجهه المِحمر من أثر كاسات الفودكا، لم يتقبل أن يتنازل رجل من علوي عن شرف الانتماء لنسل علي بن أبي طالب وآل البيت، ليراقص فتاة سُنية، ليست من مقامه

كتمت ضحكتي بصعوبة..

أتذكر هذه الواقعة كلما قابلت نصابا، أو شابا متحمسا، أو شيخا صوفيا، وهو يتحدث بفخر، أو بتواضع مزيف، عن نسبه لآل بيت النبي.. ذلك الشرف الذي يُسكر أصحابه ويعطيهم اعتزازا وفخرا داخليا بالنسب لآل البيت حتى وهم يجرعون كؤوس الجاك دانيالز والمارجريتا

ما علينا.. أود أن أذكر "آل البيت"، خاصة في مصر، ببعض الحقائق، فلربما تنفع الذكرى

- تتفق المراجع التاريخية أنه أثناء عصور الجهالة وانتشار الأمية التي مرت على مصر في العهدين المملوكي والعثماني انتشرت الصوفية واستفحلت وصار لها سطوة غير عادية. استطاع جمع من النصابين والزناة على أن يخدعوا العوام والسُذج والسفلة، فأقنعوهم أنهم من آل بيت النبي، وأنهم أصحاب كرامات، يستطيعون المشي على الماء والحديث مع الحيوانات، والظهور في مكانين بآن واحد. وتوارث أبناء هولاء النصابين وتلاميذهم رئاسة "الطريقة"، فصار بمصر عشرات، وربما مئات  الآلاف، من المنتسبين للبيت النبوي هم في الحقيقة أوسخ أهل مصر، وكل من تزوج من نسلهم نال بالضرورة الشرف المزعوم.. ومازال أحفادهم اليوم يعيشون الوهم

- مش مصدقني؟؟ بسيطة، اركب أقرب قطار إلى الزقازيق يوم الاثنين أو الخميس. اسأل على بيت ومسجد الشيخ صالح أبو خليل، حفيد "الخليل" الذي ادعى أنه من نسل الرسول أوائل العصر العثماني، ونسب إلى نفسه مجموعة الكرامات المحفوظة من القدرة على شفاء المرضى، وأنه تجسيد النبي وفاطمة وعلي في الأرض، إلخ.. مازال حفيد الخليل حتى اليوم يحظئ بنفس المكانة، بل أن المريدين يسجدون لتقبيل يده ابنه "الشيخ حمادة" الذي لم يبلُغ بعد، بل إن مسجد الشيخ صالح يشتهر بأن الناس فيه يصلون عكس اتجاه القبلة، فهم يتوجهون بصلاتهم إلى قبر الخليل، وليس إلى مكة.. روح اتأكد بنفسك.. فإن كان دجال في القرن 21 قد استطاع أن يحظى بآلاف المريدين والأتباع، فما بالك بدجال أكثر احترفا في عصر كان تعلم القراءة والكتابة فيه ترف؟

- مش فاضي تروح الزقازيق؟ بسيطة، اذهب إلى مولد "نفيسة العلم" السيدة نفيسة، أو "أم هاشم" السيدة زينب، أو مولد الحسين، أو أي مولد آخر. ستجد المنطقة امتئلت عن آخرها بآلاف الخيام التابعة للطرق الصوفية من أسوان للأسكندرية، وفي كل منها حفيد ما للرسول، وآلاف من المريدين والأتباع المصدقين، المتقربين إلى نسله

- معاك كارنيه نقابة الأشراف؟ فرحان بيه؟ هل تعلم من أيضا يحمله؟ حفيد آل البيت الشريف القاتل محمد حسني مبارك، وحفيده القواد صفوت الشريف، وحفيده النصاب زكريا عزمي، وحفيده المجنون معمر القذافي.. كلهم كانوا حاصلين على كارنيه نقابة الأشراف. الاحتمال الأول، انهم بالفعل من آل البيت، وهو ما يعني أن الانتساب لآل البيت ليس شرفا من الأساس، وأن من ضمنهم حفنة من أقذر من أنجبتهم البشرية، أما الاحتمال الثاني فهو أن نقابة الأشراف تمنح العضوية لمن يدفع أكثر، وهو ما يشكك بالضرورة في نسب كل الحاصلين على الكارنيه.

- الملك فاروق ابن ألبانيا أقنع غالبية شيوخ الأزهر أن يسلموا أنه من آل البيت وأنه خليفة المسلمين، وصلاح الدين الأيوبي القادم من كردستان انتحل لنفسه نسبا عربيا قرشيا. ما احتمال أن يكون جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جد جدك قد انتحل نسب هو الآخر، أو حتى تزوج من عائلة قد انتحلت النسب من عدة مئات من السنوات؟ أزعم أن شجرة النسب التي تحملها بفخر في بيتك، وتعلقها على الحائط لن تصمد 10 دقائق أمام أي نساب أو مؤرخ يحترم نفسه

- إن فهمي للدين الإسلامي، هو أن الرسول (ص) قد بُعث ليدمر فكرة الفخر بالأنساب، والتفاخر بالعائلات والقبائل، لينشر رسالة من المساواة الإنسانية بين سائر بني آدم.  لو كل مافعله الرجل هو أنه استبدل الفخر ببني أمية وبني طالب ببني محمد وعلي وفاطمة، لحكمنا على رسالته بالفشل، فالعقلية القبلية لم تتغير بعدما يزيد عن ألف سنة، بل تغيرت الأسماء وأسباب الفخر فقط

- عزيزي المنتسب للنبي الكريم. يقول الله في كتابه العزيز " إِنَّمَا يريدُ اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُم الرِّجْس أَهْلَ الْبَيْت وَيطَهِّرَكُم تَطْهِيراً". يختلف المفسرون حول الآية، فمنهم من يقصرها على زوجات الرسول، ومنهم من يوسع نطاقها لنسله الكريم. في كل الحالات، تأكد أن الآية ليست موجهة لك بأي شكل من الأشكال

- عزيزي المنتسب لآل البيت، أعلم أنك تحلم من داخلك بالمؤرخ روبرت لانجدون، ليمر معك بمغامرة مهولة تكشف الأدلة التاريخية المطموسة بأنك التجسيد الحقيقي لنسل النبي، والوريث الشرعي لكرسي الخلافة. ولسوف تُكتب قصتك في رواية "أُحجية الصعصعة بن عمرو"، والتي ستبلغ شهرتها الآفاق حتى تصير "شيفرة دافنشي" نسيا منسيا.. أرجوك، احتفظ بمعلومات نسبك وتفاصيلك لنفسك.. غطي نفسك جيدا قبل أن تنام.. والسلام ختام

Tuesday, April 30, 2013

خطاب مفتوح للنشطاء الليبراليين

 أعزائي الأصدقاء الليبراليين..
أكتب إليكم خطابا مفتوحا، بصفتي واحد منكم، محسوب على التيار الليبرالي، رغم إني قد أُصنف نفسي ضمن أقصي يسار اليمين، أو أقصى يمين اليسار.
أذكر أني كنت في مركز الدراسات الاشتراكية بميدان الجيزة، وفوجئت بالحالة المزرية القذرة لكافتيريا المركز، والتي يتناوب "الرفاق" الشيوعيين على العناية بها.
 مازحتهم يومها قائلا "مانتوا لو تخصخصوا الكافتيريا، وتعينوا واحد أوفيس بوي محترم، حتلاقوا الدنيا ظبطت، لكن شيوع الملكية سبب في فسادها، نتيجته إن مافيش حد من مصلحته يشيل الشغلانة كلها وينضفها عدل". استقبلوا دعابتي بصدر رحب، وضحكنا معا، وانتهى الحديث بأن قال لي أحدهم "لو كمال خليل كان هنا وسمعك، كان جاله سكتة قلبية".. أتمنى منكم استقبال حديثي بصدر رحب مثلهم، والاكتفاء بتحويل الأمر كله لمزحة مضحكة لو لم يعجبكم.. أفترض فيكم انفتاح العقل، وتقبل النقد.

-          تأييد إسرائيل ليس شرطا لأن تكون ليبراليا
قبيل الثورة بعدة أشهر، زرت مقرا لأحد الحركات الليبرالية الشابة. فوجئت بأن الشباب "الليبرالي" كان يضع صورة لجمال عبد الناصر جانب صورة لهتلر داخل دورة المياه فوق المرحاض!.. أما الشباب داخل المقر، فكان كثير منهم يتحدث عن أن التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل السبيل الأساسي للسلام، لأن المصالح الاقتصادية المشتركة ستجبر الطرفين على احترام ملكية الآخر.

مثل هذا الخطاب يدعي العقلانية والنضج، في مقابل "الخطاب العاطفي الشعبوي الاشتراكي".. في الحقيقة، لا أفهم الليبرالي الذي يحارب في وطنه محاولات إنشاء دولة إسلامية، ويؤيد دولة عسكرية يهودية لها تاريخ مرعب من انتهاكات حقوق الإنسان، وتمارس الاحتلال والاستعمار طبقا لقوانين الأمم المتحدة نفسها، وتمارس جرائم الحرب ضد بني جلدته.
إني حين كنت أسمع جدي، رحمه الله، وهو يتحدث عن وقوعه في الأسر بـ67 على يد الجيش الإسرائيلي، وإجباره على دفن جثث أصدقائه بعد أن أُعدموا وهم عُزل من السلاح، لا يسعني سوى أن أقول تبا لكل نظريات الاقتصاد السياسي في العالم. إن تجاهل الثأر والدم والصراع التاريخي لصالح "التطبيع الاقتصادي" ليس خطابا عقلانيا، بل هو خطاب منفصل تماما عن التاريخ والتراث والهوية.

 الوطن ليس شركة عابرة للقوميات، ومفهوم السلام العادل لن يتحقق بمجلس إدارة مُختلط الأعراق، والمطالبة بالحق المشروع ليس سذاجة، والدعوة لنسيان آلاف الشهداء الذين قُتلوا ظلما وعدوانا على يد الدولة الصهيونية هو دعولة للتجرد من الإنسانية نفسها.
أتفهم المطالبة بالتخلص من سلبيات التراث العربي والديني الذي طالما جذبتنا للخلف، ومنعنا من التقدم والتطور، لكن هناك فارق كبير بين تطهير التراث، والقضاء عليه.
إن محاولة التخلص من العروبة وتاريخ الصراع الإسرائيلي كجزء رئيسي من هوية المصريين محكوم عليها بالفشل. أسهل عليك أن تهاجر وتتجنس بجنسية أخرى، بدلا من أن تتعب نفسك وتتعامل مع الجميع باعتبارهم أغبياء متخلفين.  

-          ساويرس ساويرس ساويرس
الدفاع عن الرأسمالية والليبرالية لن يكون بأن تقف في صف أي رجل أعمال واعتباره دائما على صواب، مثلما يفعل الاشتراكيون حين يؤيدون العمال في مطالب قد نعدها نحن شططا وتجاوزا.
إن نجيب ساويرس، الليبرالي، كان في يوم 25 يناير 2011 بكوريا الشمالية، ذات النظام الديكتاتوري الشمولي، يعقد صفقة لإنشاء شبكة هاتف محمول، في بلد تُحرم على مواطنيها استخدام الإنترنت، مما يجعله في نظري مشارك في قمع شعب بأكمله، ومشارك في تثبيت دعائم نظام شيوعي قذر يذل مواطنيه ويهدد أمن العالم.
إن عدوان ساويرس المستمر على سكان عشش رملة بولاق، واحتكاره لسنين طويلة لسوق المحمول في مصر (كان لساويرس نسبة ضخمة من أسهم شركة كليك للاتصالات، وتعاون الاثنان لسنوات طويلة لمنع التصريح بإنشاء شبكة ثالثة، أي أنه كان يمنع المنافسة الرأسمالية نفسها)، ومتاجرته بالمشاعر الوطنية وتباكيه على المستثمر المصري أثناء أزمته مع الجزائر، ثم بيعه لشركته كاملة لمستثمر أجنبي بطريقة التف بها على دفع مليم ضرائب واحد للدولة، لا يجعله رمزا لليبرالية، بل يجعله رمزا للتاجر الشاطر معدوم المبادئ، معدوم المشاعر، معدوم الانتماء. أعترف بقدرته العبقرية على تعظيم أرباحه وتقليل نفقاته، لكن الليبرالية ليست مرادفا للربح على حساب الأخلاق، إن كنتم لم تلحظوا ذلك.
دفاعكم المستميت عن ساويرس، عالحلوة والمرة، مثير للقيئ!
-          الخصخصة.. سوديك.. بالم هيلز.. إلخ
دفاعكم عن الرأسمالية لا يجب أن يعميكم عن الجرائم التي ارتكبت باسمها. إن ما حدث بمصر في عهد مبارك لم يكن "خصخصة"، بل كان بيع بخس لأصول الدولة دون دراسة، وإهدار بشع لموارد الشعب، في مقابل عدة أسطر من المديح في تقارير صندوق النقد الدولي.
قضية "عمر أفندي" والفساد الذي شهدته، بتخفيض سعرها من 4 مليارات على الأقل لعدة مئات من الملايين، لا يُسمى خصخصة، بل يسمى نصب، سرقة، إهدار، استهبال.
إن تشجيع شركات تبني أراضي الجولف في بلد يعاني من أزمة مياه طاحنة، ليس رأسمالية، بل اسمه طبقية قذرة وحقيرة، وانعدام تام للتخطيط.
إن تخصيص أراضي الدولة بالأمر المباشر لرجال الأعمال ليبنوا عليها منتجعات مسورة لمجتمع الـ1% ، ليس رأسمالية، بل خلطة مضمونة لتدميرها بانتفاضة للفقراء ستساويها بالأرض.
إن الاستثمار المجنون الذي يدمر البحر الأحمر وشعابه المرجانية، والطمع الذي يخصخص البحر المتوسط حتى لا يبقى للفقراء شبرا واحدا مجانيا يستطيعون من خلاله التمتع بنسيمه، والغباء الأشر الذي يسعى لبناء "بورتو" في أراضي النوبة، ومجمع مطاعم عالمي في حرم بحيرة قارون المقدسة، ويحطم التراث المعماري للبلاد من أسوان للقاهرة ليبني مكانها أبرجا قميئة لهي مجرد نماذج للأزمة الأخلاقية الحادة، وانعدام المبادئ الذي تعاني منه طبقة رجال الأعمال في مصر.
الفظوهم.. فما هم إلا من بقايا عهد بائد نسعى لتغييره.

-          لستم أقل من الشيوعيين نخبوية:
تعيبون على النشطاء الاشتراكيين انفصالهم عن الواقع. الحقيقة أن التيار الاشتراكي، على فشله الزريع في الانتشار وانغلاقه على ذاته، يملك مفردات لها شعبية حقيقية في الشارع المصري، وإن كان يفشل في التسويق لها. الحد الأدنى للأجور وإعانة البطالة ودعم الكهرباء مطالب شعبية حقيقية، شئتم أم أبيتم.
فشل التيار الاشتراكي في أن يستغل شعبية هذه المطالب ليجذب جماهير المطالبين بها إلى صفوفه، وإن كان قادرا في أي وقت أن يُغير من استراتيجياته وخطابه فيبني قواعدا حقيقة لها. أما أنتم ففشلتم من الأساس في توصيل أسباب معارضتكم لهذه المطالب، وتبسيط النظريات الاقتصادية التي تدفعكم لرفض تحديد حد أدنى أو أقصى للأجور.
-          على هذه الأرض بلاد كالدنمرك وفرنسا
أرجو منكم أثناء هجومكم، النظري، المستميت على مجانية التعليم والتأمين الصحي النظر إلى تجارب دول مثل الدنمرك وفرنسا وفنلندا وكندا وغيرها من الدول. انظروا صوب هذه البلاد، انتقدوها إن شئتم، لكن الاكتفاء بالحديث عن الحالة المصرية، التي تعاني فشلا في كل شيئ بما فيه تطبيقها الأعوج لليبرالية الاقتصادية، ليس كافيا أو مقنعا.
وللحديث بقية