Tuesday, April 30, 2013

خطاب مفتوح للنشطاء الليبراليين

 أعزائي الأصدقاء الليبراليين..
أكتب إليكم خطابا مفتوحا، بصفتي واحد منكم، محسوب على التيار الليبرالي، رغم إني قد أُصنف نفسي ضمن أقصي يسار اليمين، أو أقصى يمين اليسار.
أذكر أني كنت في مركز الدراسات الاشتراكية بميدان الجيزة، وفوجئت بالحالة المزرية القذرة لكافتيريا المركز، والتي يتناوب "الرفاق" الشيوعيين على العناية بها.
 مازحتهم يومها قائلا "مانتوا لو تخصخصوا الكافتيريا، وتعينوا واحد أوفيس بوي محترم، حتلاقوا الدنيا ظبطت، لكن شيوع الملكية سبب في فسادها، نتيجته إن مافيش حد من مصلحته يشيل الشغلانة كلها وينضفها عدل". استقبلوا دعابتي بصدر رحب، وضحكنا معا، وانتهى الحديث بأن قال لي أحدهم "لو كمال خليل كان هنا وسمعك، كان جاله سكتة قلبية".. أتمنى منكم استقبال حديثي بصدر رحب مثلهم، والاكتفاء بتحويل الأمر كله لمزحة مضحكة لو لم يعجبكم.. أفترض فيكم انفتاح العقل، وتقبل النقد.

-          تأييد إسرائيل ليس شرطا لأن تكون ليبراليا
قبيل الثورة بعدة أشهر، زرت مقرا لأحد الحركات الليبرالية الشابة. فوجئت بأن الشباب "الليبرالي" كان يضع صورة لجمال عبد الناصر جانب صورة لهتلر داخل دورة المياه فوق المرحاض!.. أما الشباب داخل المقر، فكان كثير منهم يتحدث عن أن التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل السبيل الأساسي للسلام، لأن المصالح الاقتصادية المشتركة ستجبر الطرفين على احترام ملكية الآخر.

مثل هذا الخطاب يدعي العقلانية والنضج، في مقابل "الخطاب العاطفي الشعبوي الاشتراكي".. في الحقيقة، لا أفهم الليبرالي الذي يحارب في وطنه محاولات إنشاء دولة إسلامية، ويؤيد دولة عسكرية يهودية لها تاريخ مرعب من انتهاكات حقوق الإنسان، وتمارس الاحتلال والاستعمار طبقا لقوانين الأمم المتحدة نفسها، وتمارس جرائم الحرب ضد بني جلدته.
إني حين كنت أسمع جدي، رحمه الله، وهو يتحدث عن وقوعه في الأسر بـ67 على يد الجيش الإسرائيلي، وإجباره على دفن جثث أصدقائه بعد أن أُعدموا وهم عُزل من السلاح، لا يسعني سوى أن أقول تبا لكل نظريات الاقتصاد السياسي في العالم. إن تجاهل الثأر والدم والصراع التاريخي لصالح "التطبيع الاقتصادي" ليس خطابا عقلانيا، بل هو خطاب منفصل تماما عن التاريخ والتراث والهوية.

 الوطن ليس شركة عابرة للقوميات، ومفهوم السلام العادل لن يتحقق بمجلس إدارة مُختلط الأعراق، والمطالبة بالحق المشروع ليس سذاجة، والدعوة لنسيان آلاف الشهداء الذين قُتلوا ظلما وعدوانا على يد الدولة الصهيونية هو دعولة للتجرد من الإنسانية نفسها.
أتفهم المطالبة بالتخلص من سلبيات التراث العربي والديني الذي طالما جذبتنا للخلف، ومنعنا من التقدم والتطور، لكن هناك فارق كبير بين تطهير التراث، والقضاء عليه.
إن محاولة التخلص من العروبة وتاريخ الصراع الإسرائيلي كجزء رئيسي من هوية المصريين محكوم عليها بالفشل. أسهل عليك أن تهاجر وتتجنس بجنسية أخرى، بدلا من أن تتعب نفسك وتتعامل مع الجميع باعتبارهم أغبياء متخلفين.  

-          ساويرس ساويرس ساويرس
الدفاع عن الرأسمالية والليبرالية لن يكون بأن تقف في صف أي رجل أعمال واعتباره دائما على صواب، مثلما يفعل الاشتراكيون حين يؤيدون العمال في مطالب قد نعدها نحن شططا وتجاوزا.
إن نجيب ساويرس، الليبرالي، كان في يوم 25 يناير 2011 بكوريا الشمالية، ذات النظام الديكتاتوري الشمولي، يعقد صفقة لإنشاء شبكة هاتف محمول، في بلد تُحرم على مواطنيها استخدام الإنترنت، مما يجعله في نظري مشارك في قمع شعب بأكمله، ومشارك في تثبيت دعائم نظام شيوعي قذر يذل مواطنيه ويهدد أمن العالم.
إن عدوان ساويرس المستمر على سكان عشش رملة بولاق، واحتكاره لسنين طويلة لسوق المحمول في مصر (كان لساويرس نسبة ضخمة من أسهم شركة كليك للاتصالات، وتعاون الاثنان لسنوات طويلة لمنع التصريح بإنشاء شبكة ثالثة، أي أنه كان يمنع المنافسة الرأسمالية نفسها)، ومتاجرته بالمشاعر الوطنية وتباكيه على المستثمر المصري أثناء أزمته مع الجزائر، ثم بيعه لشركته كاملة لمستثمر أجنبي بطريقة التف بها على دفع مليم ضرائب واحد للدولة، لا يجعله رمزا لليبرالية، بل يجعله رمزا للتاجر الشاطر معدوم المبادئ، معدوم المشاعر، معدوم الانتماء. أعترف بقدرته العبقرية على تعظيم أرباحه وتقليل نفقاته، لكن الليبرالية ليست مرادفا للربح على حساب الأخلاق، إن كنتم لم تلحظوا ذلك.
دفاعكم المستميت عن ساويرس، عالحلوة والمرة، مثير للقيئ!
-          الخصخصة.. سوديك.. بالم هيلز.. إلخ
دفاعكم عن الرأسمالية لا يجب أن يعميكم عن الجرائم التي ارتكبت باسمها. إن ما حدث بمصر في عهد مبارك لم يكن "خصخصة"، بل كان بيع بخس لأصول الدولة دون دراسة، وإهدار بشع لموارد الشعب، في مقابل عدة أسطر من المديح في تقارير صندوق النقد الدولي.
قضية "عمر أفندي" والفساد الذي شهدته، بتخفيض سعرها من 4 مليارات على الأقل لعدة مئات من الملايين، لا يُسمى خصخصة، بل يسمى نصب، سرقة، إهدار، استهبال.
إن تشجيع شركات تبني أراضي الجولف في بلد يعاني من أزمة مياه طاحنة، ليس رأسمالية، بل اسمه طبقية قذرة وحقيرة، وانعدام تام للتخطيط.
إن تخصيص أراضي الدولة بالأمر المباشر لرجال الأعمال ليبنوا عليها منتجعات مسورة لمجتمع الـ1% ، ليس رأسمالية، بل خلطة مضمونة لتدميرها بانتفاضة للفقراء ستساويها بالأرض.
إن الاستثمار المجنون الذي يدمر البحر الأحمر وشعابه المرجانية، والطمع الذي يخصخص البحر المتوسط حتى لا يبقى للفقراء شبرا واحدا مجانيا يستطيعون من خلاله التمتع بنسيمه، والغباء الأشر الذي يسعى لبناء "بورتو" في أراضي النوبة، ومجمع مطاعم عالمي في حرم بحيرة قارون المقدسة، ويحطم التراث المعماري للبلاد من أسوان للقاهرة ليبني مكانها أبرجا قميئة لهي مجرد نماذج للأزمة الأخلاقية الحادة، وانعدام المبادئ الذي تعاني منه طبقة رجال الأعمال في مصر.
الفظوهم.. فما هم إلا من بقايا عهد بائد نسعى لتغييره.

-          لستم أقل من الشيوعيين نخبوية:
تعيبون على النشطاء الاشتراكيين انفصالهم عن الواقع. الحقيقة أن التيار الاشتراكي، على فشله الزريع في الانتشار وانغلاقه على ذاته، يملك مفردات لها شعبية حقيقية في الشارع المصري، وإن كان يفشل في التسويق لها. الحد الأدنى للأجور وإعانة البطالة ودعم الكهرباء مطالب شعبية حقيقية، شئتم أم أبيتم.
فشل التيار الاشتراكي في أن يستغل شعبية هذه المطالب ليجذب جماهير المطالبين بها إلى صفوفه، وإن كان قادرا في أي وقت أن يُغير من استراتيجياته وخطابه فيبني قواعدا حقيقة لها. أما أنتم ففشلتم من الأساس في توصيل أسباب معارضتكم لهذه المطالب، وتبسيط النظريات الاقتصادية التي تدفعكم لرفض تحديد حد أدنى أو أقصى للأجور.
-          على هذه الأرض بلاد كالدنمرك وفرنسا
أرجو منكم أثناء هجومكم، النظري، المستميت على مجانية التعليم والتأمين الصحي النظر إلى تجارب دول مثل الدنمرك وفرنسا وفنلندا وكندا وغيرها من الدول. انظروا صوب هذه البلاد، انتقدوها إن شئتم، لكن الاكتفاء بالحديث عن الحالة المصرية، التي تعاني فشلا في كل شيئ بما فيه تطبيقها الأعوج لليبرالية الاقتصادية، ليس كافيا أو مقنعا.
وللحديث بقية


No comments:

Post a Comment