- في الحلقة الثالثة تكلمنا عن تعرض الدعوة السلفية لضربات أمنية عديدة ضمن سياسة قمع جميع الحركات الدينية في التسعينيات كسبيل لمواجهة هجمات الإرهاب، و
- كان جهاز أمن الدولة يصنف التيار السلفي إلي نوعين، السلفية التنظيمية والسلفية غير التنظيمية، وكانت الدعوة السلفية بالطبع تنتمي للنوع الأول
- قلنا أن التنظيم المحكم للدعوة السلفية أدي إلي استمرار نشاطها في الدعوة وتوزيع الزكاة رغم التضييق الأمني الشديد، لكن أواخر التسعينيات والعقد الأول من الألفينات شهد 3 ظواهر هامة ساهمت في بقاء واستمرار الحركة
ظهور وانتشار الانترنت:
- أواخر التسعينات ظهر موقع "طريق الإسلام" السعودي وكان وقتها أكبر موقع سلفي علي الإطلاق. استكتب الموقع شيوخ الدعوة السلفية ونشر مقالاتهم، فكان لفترة المنفذ الوحيد لهؤلاء المشايخ للكتابة والنشر. انتشرت بعدها المنتديات والمواقع التي أتاحت للمشايخ الحديث المباشر ورد الفتاوي لأعضاء الدعوة حول مصر كلها دون حاجز.
- إلا أن أولي المواقع الرسمية للدعوة السلفية لم تظهر إلا عام 2006، ففي هذا العام نشأ موقع "صوت السلف". تم إنشاء الموقع بالجهود الذاتية علي يد 7 متطوعين فقط من أعضاء الدعوة بالأسكندرية مستخدمين جهازين كمبيوتر فقط. اعتمد الموقع علي نشر مقالات 25 كاتبا من مشايخ الدعوة السلفية، أهمهم الشيخين ياسر برهامي وعبد المنعم شحات. تطور الموقع ليتضمن بابا كاملا للرد علي الفتاوي في كل شيئ وعن أي شيئ، بداية من حكم ارتداء دبلة الخطوبة أو التي شيرت الذي يحمل أسماء "الكفرة" من لاعبي كرة القدم، إلي رأي مشايخ الدعوة في بن لادن والإخوان المسلمين والانتخابات وغيرها.
- تعرض القائمون علي الموقع لضربات أمنية واعتقالات وتهديدات متفاوتة في موجات من الشد والجذب التي تعرض لها جميع الناشطين من كافة الحركات السياسية، مثل كفاية، في ذلك الوقت. ورغم المصاعب الأمنية فإن نجاح الموقع والإقبال المذهل عليه شجع الدعوة علي إنشاء موقع "أنا السلفي" عام 2007 المخصص للمقاطع الصوتية والمرئية. كل مسجد يحاول رواده جمع تبرعات كافية لشراء كاميرا والتطوع لمتابعة شيوخ المسجد وتوثيق خطبهم. تقول الدعوة أن جميع المقالات تعبر عن رأي الدعوة رسميا، أما مقاطع الفيديو فلا تعبر إلا عن رأي صاحبها لكثرتها وصعوبة حصرها ومراجعتها.
ظهور القنوات التليفزيونية السلفية
- في الخمس سنوات الأخيرة، والتي لم تكن تدعوة لمنهج "الدعوة السلفية" تحديدا بل إلي التيار السلفي بشكل عام. وظهرت أغلب هذه القنوات برؤوس أموال خليجية سعودية، منها مثلا شركة البراهين التي كانت تمتلك قنوات الناس والحافظ والخليجية والصبا والجمال، وكلها اعتمدت علي مشايخ مصريين منهم مشايخ من الدعوة السلفية
تعليم الأطفال وبناء مجتمع
- أهم ما كفل للدعوة السلفية الاستمرار كان اهتمامها الشديد بالتعليم والتربية للأجيال الجديدة. تحفيظ القرآن للأطفال مجانا أو برسوم قليلة وتعليمهم أصول الدين كان من أهم أنشطة المساجد السلفية.
- أوائل الألفينات قام الشيخ مصطفي دياب، أحد كبار مشايخ الصف الثاني للدعوة، بإعداد منهج ديني للأطفال ونشره في كتاب "سبيل الهدي". الكتاب ينقسم إلي فصول "التوحيد، الفقه، الحديث، السنة.." بأساليب مبسطة تصلح للأطفال في سن العاشرة فما فوق.
- الكتاب كان يحوي تأصيل لمنهج السلف في الطفل، فداخله جرعة مكثفة للمصطلحات المؤسسة لمنهج أهل السنة "الفارق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، الفارق بين المسلم والكافر والنصراني، الحديث الصحيح.."، وجرعة مكثفة أيضا لتعميق أهمية أعلام التيار السلفي الوهابي السعودي، فالكتاب به مئات الاستشهادات للشيخين بن العثيمين وبن باز والتأكيد المتكرر علي المكانة المميزة لابن تيمية "شيخ الإسلام".
- في ذات الوقت، يتعلم الطفل أن الغناء والموسيقي حرام، وأن مشاهدة المسلسلات طريق مضمون إلي جهنم، وأن كل أفعالهم عليها أن تدور حول طاعة الله. اللهو ولعب الكرة،علي سبيل المثال، ليست مجرد لعبة هدفها التسلية واللهو، بل هي وسيله هدفها الترويح عن النفس للاستعانة علي مشاق الحياة والعبادة، وطريقة لتقوية الجسد لأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. يتدرج الطفل من كتاب "سبيل الهدي" إلي دروس النحو واللغة التي تؤهله بعدها لدروس التجويد وحفظ القرآن والتنافس مع أقرانه علي سرعة الحفظ وجودة الأداء.
- المسجد السلفية الصغيرة في الأحياء الفقيرة والشعبية لم تكن مجرد مكان للصلاة أو الدروس الدينية، بل وفرت الاحتياجات الاجتماعية الكاملة لزائريها. المسجد مفتوح طوال النهار، يلقاك داخله رجال مبتسمين ينادونك "أخ فلان" فور معرفتهم باسمك. يسمح داخل المسجد بالحديث والسمر والمزاح الخافت المناسب للمكان بعكس المساجد الأخري التي تشدد علي أهمية السكون التام وتنشر جوا مضادا للتواصل بشكل عام. المسجد مكان لتنظيم دورات كرة القدم لشباب وأطفال الحي، ومكان مفتوح للمذاكرة الجماعية في جو هادئ للأطفال أيام الامتحانات، وربما لعب الاستغماية واللهو حين يكون المسجد خاليا. لا يمر أسبوع دون عقيقة لحم دسمة احتفالا بزواج أحد الأخوة. ولأن الأخوة ملتزمين لا يختلطون بالنساء، فكان المسجد مكانا مثاليا للتعرف علي شباب المنطقة وطلب النسب بنساء عائلاتهم المنتقبات الملتزمات من أعضاء الدعوة أو بنات التيار بشكل عام.
- باختصار صار المسجد هو محور حياة عائلة أفراد الدعوة وهو ما كفل للدعوة الاستمرار، فهي ليست مجرد حركة سياسية من الممكن أن تنفرط، بل أسلوب حياة مدعوم بالإيمان القوي والروابط الأسرية. هذه الروابط كان لها دور شديد الأهمية في الحفاظ علي كيان الدعوة وتماسكه ثم ظهورة في الشكل المنظم الذي ظهرت به منذ اندلاع الثورة. موقف الدعوة من 25 يناير ودورها أثناءها وبعدها نبدأ الحديث عنه الحلقة القادمة بإذن الله
No comments:
Post a Comment