- ساهم توفيق عكاشة وعمرو مصطفي وأحمد زبايدر وأمثالهم في نشر شائعات عديدة حول الثورة، من أهمها شائعة "التنظيم الماسوني" الذي يبعث بقناصة إلي أماكن الثورات العربية لاغتيال المتظاهرين من أجل إشعال حدة المواجهات بين الشرطة والجماهير
- يرجع أصل هذه الشائعة، وغيرها، إلي باحث روسي متطرف لاقيمة علمية حقيقية له، ظهر في تليفزيون "روسيا اليوم" المتحدث بالعربية، ولم يعره أحد اهتماما حتي قامت قناة الفراعين بإعادة بث حديثه الملئ بالترهات والأكاذيب
- مؤخرا، سمعت رواية أخري من مدون علي "تويتر"، لا أعرفه شخصيا وأرجو ألا يعتبر كلامي إهانة له، يؤكد فيها أنه يعرف مصدرا يملك أدلة علي تورط شركة "بلاك ووتر" الأمريكية في توريد قناصة، وأن هؤلاء القناصة تربطهم صلة ما بفرسان مالطة. الجماعة الأخيرة تحيط بها شائعات كثيرة أيضا مرتبطة بالماسونية، وطالما كانت مثار جدل وموضوع محبب لأنصار نظريات المؤامرة وأفلام الخيال العلمي. لكن المدون هذه المرة كان يرسم صورة أخري للمؤامرة، قائلا أن الحكومة هي التي استأجرت القناصة، وليس الثوار
- مدون آخر، أيضا لم أتشرف بمعرفته، أكد علي أن شاهد عيان قد روي له عن أن هناك جهة مجهولة قد قامت بتصفية القناصة فوق الجامعة الأمريكية، وأن الشاهد قد رأي آثار دماء ومعركة بالرصاص تشي بأن هؤلاء القناصة تعرضوا للخيانة
- بشكل عام، فنظرية المؤامرة ليست مرفوضة من حيث المبدأ. الدول تتآمر ضد بعضها، والأنظمة القمعية تتآمر ضد شعوبها، والتنظيمات العسكرية السرية ليست وهما. نظرية المؤامرة، مثلها مثل أي نظرية أخري قد تكون حقيقية. المهم هو أن يقدم صاحب النظرية ما يساند نظريته من أدلة وحقائق منطقية.
- لا أظن في نفسي أهمية أو تفوقا يسمح لي بالحكم علي أقوال غيري بالكذب أو الصدق، ولا أقصد أي إهانة للمدونين المذكورين. لكني سأنقل لكم تجربتي الشخصية مع الموضوع نفسه هادفا من ذلك أن أبين لكم مدي تعقيد وصعوبة اتخاذ قرار النشر والحديث في أمر شائك مثل موضوع قتلة الثوار.
- مارس الماضي، قمت بعمل حوار صحفي مع ضابط سابق بإدارة الإرهاب الدولي بجهاز أمن الدولة المنحل.كان الاتفاق مع المصدر ألا أذكر اسمه أو أكشف هويته. هذا الاتفاق مباح في الصحافة بشروط، منها أن المصدر سيذكر كلاما هاما لا يمكن الإتيان به مصادر معروفة، وأن هناك مبرر قوي لإخفاء هوية المصدر، مثل الخوف من الحياة أو التعرض للحرج الشديد في حالة معرفة هوية المصدر.
- ذكر المصدر وقتها نقطتين شديدتي الأهمية: النقطة الأولي هي أن جهاز أمن الدولة كان يقوم بتصفيات جسدية لقادة الحركات الإسلامية المسلحة في علميات إعدام دون محاكمة. وذكر واقعة بعينها، وهي اغتيال طلعت ياسين همام، أحد قادة الجناح العسكري للجماعة الإسلامية. وأكد لي أنه كان شاهد عيان علي قيام أحد ضباط الداخلية الكبار بإطلاق النار بعد القبض علي همام وتقييد يديه، ولكن المصدر رفض ذكر اسم القاتل.
هل ننشر الواقعة أم لا؟
- بعد استشارات مع رئيس القسم وتفكير طويل في الموضوع، تأكدنا من مصداقية المصدر، واتصلنا ببعض المصادر العليمة لأخذ رأيها حول مدي مصداقية مثل هذه الرواية. وبعد بحث وسؤال بعض المصادر الأخري ، توصلنا إلي اسم القاتل، وهو لواء داخلية راحل شهير بوحشيته. قررنا في النهاية نشر هذه الواقعة، مع اخفاء اسم القاتل احتراما لرغبة الضابط السابق، ولأنه كان شاهدا عيان علي الحادثة التي قد يتيح ذكرها فرصة أمام أهل القتيل المطالبة بإعادة فتح التحقيق في وفاته إن شاءوا.
- المعلومة الثانية التي ذكرها الضابط السابق كانت أن قناصة الداخلية الذين اغتالوا المتظاهرين يوم 28 يناير ينتمون جميعا إلي إدارة الإرهاب الدولي بجهاز أمن الدولة، وبعضهم زملائه الذين يعرفهم جيدا. (مازلت أمتلك تسجيلا صوتيا لهذه الشهادة). أكد لي الضابط أن بعض زملائه من الضباط السابقين بالجهاز يفكرون في تقديم بلاغ للنائب العام بأسماء القناصة الذين شاركوا في اغتيال المتظاهرين، فهم معروفين لكل أعضاء الجهاز السابقين والحالين.
- قررت حذف هذا الجزء من الحوار، لأن الضابط رغم تأكيداته وثقتي التامة في مصداقيته لأسباب خاصة، لم يقدم دليلا ماديا أو رواية مفصلة. نشر مثل هذه الشهادة دون دليل وشهود عيان موثوق بهم يحمل مخاطرات عدة، منها إبعاد النظر عن الجناة الحقيقيين إن كانت الرواية كاذبة، واتهام الناس بجرم عظيم يضعني تحت مسئولية قانونية إن لم أستطع تقديم الدليل عليه
- مرت الأيام، ولم يقدم الضباط بلاغهم، ربما خوفا علي حياتهم من مغبة تقديم مثل هذا البلاغ، أو لصلتهم الشخصية بالجناة. لكن تقرير لجنة تقصي الحقائق ظهر في أبريل حاملا تأكيدا لرواية الضابط بأن القناصة كانوا من إدارة مكافحة الإرهاب بجهاز أمن الدولة.
- هناك أسباب عديدة قد تكون وراء عدم الكشف عن أسماء الضباط حتي الآن. أهمها أن القانون المصري يبيح التعامل بالعنف والرصاص الحي في تفريق المظاهرات، وأن-صدق أو لا تصدق- أغلب الجرائم التي اقترفتها الشرطة أثناء الثورة لاغبار عليها قانونا . لكن استخدام القناصة يعد تجاوزا قانونيا كفيل بلف حبل المشنقة حول العادلي، خاصة أن إدارة الإرهاب الدولي بالذات لا تتلقي أوامرها إلا من اثنين: رئيس مباحث أمن الدولة ووزير الداخلية. ولا تنصاع هذه الوحدة لأوامر آخرين بغض النظر عن رتبهم ومناصبهم في الداخلية.
- إلي هنا، كان موضوع القناصة واضحا للغاية لي. هويتهم معروفة لي منذ مارس، وجاء تقرير تقصي الحقائق ليثبت ما أعرفه مسبقا. لا أعرف بالضبط ما الذي جعل الأمر كأنه "لغزا" يحتاج لنظريات مؤامرة وأبحاث متعمقة في شرحه، في حين أن التفسير الواضح المباشر متاح للجميع.
- للتدوين ميزة رائعة، فهي تسمح لأي شخص في أي مكان أن يقول رأيه ويشارك معلوماته مع الجميع في أي وقت ودون قيود. إلا أن ميزة التدوين هي نفسها لعنة، فدون البيروقراطية السخيفة المملة التي تحكم عمل الإعلام التقليدي، يتحرر المدون من أي قيود أخلاقية أو مهنية علي ما يكتبه. النتيجة أن المدون قد يتسرع لنشر مايسمعه من مصادر يظنها موثوق بها 100% دون رأي آخر يساعده في تقييم مدي مصداقية المصدر، وإن كان كلام المصدر لوجه الله أم لغرض في نفس يعقوب.
- خلاصة القول، لا مانع عندي من أن يكتب المدونون أن القناصة ينتمون لتنظيم ماسوني أو من بلاك ووتر أو من كوكب زحل. لا أدعو إلي أي نوع من الرقابة علي التدوين أو الكتابة. لكني أرجوهم رجاء شخصي بأن يتذكروا أن ما يكتبونه له أثر!
- مثلي مثل غيري من الزملاء الصحفيين، نسمع في اليوم عشرات قصص النميمة عن شخصيات هامة، ومئات القصص ممن يدعون أنهم "شهود عيان" علي أحداث خطيرة، ونقابل مصادر تقسم بالله علي أنها تملك الحقيقة التي لا يعلمها أحد سواهم. أذكر أني جلست ذات مرة مع لواء متقاعد كان يحتل منصبا شديد الأهمية في سلاح البحرية المصري، حكي لي بأدق التفاصيل ما أسماه "مؤامرة ساويرس وأخيه سميح إنشاء دولة قبطية داخل مصر". الرجل بالفعل كنز من المعلومات السرية وهويته ومنصبه السابقين أتاحا له الاطلاع علي أمور شديدة الحساسية. لكني بالطبع لن أكون بالسذاجة أن أنشر كلامه غير المثبت أو بالأدلة القاطعة، حتي لو صدرت من مصدر له وزن لايستهان به. قيادة شيعية حكت لي ذات مرة تفاصيل تلقي أحد أعضاء مجلس الشعب المنحل دعما من الحرس الثوري الإيراني، ثم تأكدت من المعلومة من ضابط أمن دولة أقسم أن المعلومة حقيقية، مضيفا أن العضو قد اشتري بالأموال أراض وسيارات. لم ولن أنشر اسم متلقي التمويل ولن يطمئن قلبي لهذه المعلومات حتي يأتيني تفاصيل لامجال لأدني شك فيها، أراها وأختبرها بنفسي
- عزيزي المدون، أتمني أن المرة القادمة التي يبوح لك مصدر ما أنه يعرف الهوية الحقيقية لقاتل كيندي، أو دليل تورط مبارك في اغتيال السادات، أويملك صورا تثبت أن توفيق عكاشة هو كائن فضائي من كوكب المريخ يتنكر في هيئة بشرية، فكر ألف مرة في نتائج ما ستقوله، حتي لو كان مصدرك هو الرئيس السابق للمخابرات المركزية الأمريكية. احتفظ بالمعلومات في عقلك ولنفسك حتي يثبت لك الزمن والأدلة مدي صدقها أو كذبها. اعلم أن في كثير من الأحيان فإن ذكر "الحقيقة" غير الموثقة أشد خطرا من إخفائها لحين الوقت المناسب والإتيان بالدليل القاطع.
- ليس كل مايعرف يقال، وليس كل مايقال جاء وقته، وليس كل ماجاء وقته حضر ناسه، ويقول الرسول (ص) أن كفي بالمرء كذبا أن يحدث بكل ماسمع/ وآخر كلامنا أن اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.....وشكرا
الله ينور يا احمد
ReplyDeleteمن اروع ما قرءت في قترة الاشاعات دي