في مناظرته الممتدة 4 ساعات على فضائية (سي بي سي) المصرية، يدافع الحبيب علي الجفري عن الفقهاء والأئمة الذين أباحوا زواج الأطفال الرضع. أكد الشيخ على أنه يرفض مثل هذه الممارسات اليوم، لكن فقهاء الأمس كان لهم عذرهم في اجتهادهم نظرا لظروف المجتمع.
من أجل توضيح
وجهة نظره، يطلب منا الجفري تخيل السيناريو التالي:
"أب عنده السرطان.. يشعر هذا الأب أنه على وشك أن يموت بعد 3 أو 4 أشهر. ليس له أقارب أو إخوان أو أولاد عم.. مقطوع من شجرة.. يعرف شخص يأتمنه على خلقه أو على دينه، يقول له أنا سأعقد لك على ابنتي، في مجتمع لم يكن فيه دار أيتام ولا شيئ من هذا الأمر.. وأنت بعهد الله وأمانته، والقاضي موجود والدولة موجودة، أنه لايتم الدخول ولايتم المساس بها حتى تتأهل لذلك.. هذا النوع من المخرج لمشكلة قد تحصل استثناء".
كيف يمكن لمجتمع
أن يكون به دولة وقاض من القدرة والسلطة على حماية رضيعة من الإساءة والاغتصاب
داخل منزل زوجها، لكنها تعجز في ذات الوقت أن تبني دارا للأيتام أو توفر لهم نظاما
تكافليا تقوم عليه مرضعات أو عواقر؟
ننحي هذه النقطة
جانبا.. كل شيئ جائز.. فلنحاول أن نكمل السيناريو على استقامته.. يحمل الرجل زوجته
الرضيعة على كتفه، يقضي 3 سنوات يمسح لعابها وبرازها وبولها، يدفع أجر المرضعة (أو
ربما يوكل هذه المهمة لإحدى إمائه أو زوجاته الأخريات؟). يعلمها الكلام والمشي،
ولربما يلعب معها بالكرة والخذروف والأراجيح، لكنه أيضا يوبخها إن أهملت أو زادت
في لهوها، فهو لايريد لزوجته أن تكون فاسدة مستهترة.
يكمل الزوج دوره العظيم في تربية الفتاة حتى
"تتأهل لذلك".. عندها يصلي الزوج مع زوجته ركعتين ويسمي الله
"اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان مارزقتنا"، ويطلب منها وهو يخلع
ملابسه أن تنظر إليه بعين العشيقة بدلا من عين الابنة، وأن تتناسى تعليماته
القديمة عن توقير الكبير وحكم قول "الأف" للآباء، لتستذكر أحكام الفراش وآداب
الجماع.
ترى، هل من
المفترض أن يستأذن الزوج أولا من الدولة والقاضي قبل الدخول حتى تحل البركة على
الزواج الميمون؟
يعي الجفري أن
حديثه قد يثير الاستنكار والهجوم، لذلك استكمل قائلا:
"وأنا أتكلم الآن، أعرف أن الآلاف لن يقبلوها مني (يقصد السيناريو المطروح)، تعرف ما الذي يجعلها غير مقبولة؟ الواقع السيئ القذر الذي نعيشه، الذي أصبح فيه الآباء فقدوا معنى المسؤولية تجاه أبوتهم".
يقع الحبيب هنا
في تناقض عجيب، فهو تارة يقول أن زواج الرضع مخرج لمشكلة شاذة في مجتمع بدائي، حتى
أن الآباء يضطرون إلى تزويج بناتهم في المهد لحمايتهن من مصير مظلم، أما واقع اليوم، المُشمئز من تلك الزيجات، هو قذر وسيئ!
وإن كان رجال الأمس على قدر أرقى من الأخلاق والورع من رجال اليوم، أفلا يثق ذلك الأب المنتظر للموت في "الزوج الشهم" فيطلب منه تبني الفتاة وتربيتها ورعايتها حتى سن تشب فيه وتتزوج؟ وإن استحال على رجال الأمس أن يثقوا في رجل أن يرعى طفلة رضيعة دون أن يشتهيها ويحلم كل يوم بالوقت الذي ستطيق فيه نكاحه، فأي واقع أسوأ وأقذر من هذا؟
وإن كان رجال الأمس على قدر أرقى من الأخلاق والورع من رجال اليوم، أفلا يثق ذلك الأب المنتظر للموت في "الزوج الشهم" فيطلب منه تبني الفتاة وتربيتها ورعايتها حتى سن تشب فيه وتتزوج؟ وإن استحال على رجال الأمس أن يثقوا في رجل أن يرعى طفلة رضيعة دون أن يشتهيها ويحلم كل يوم بالوقت الذي ستطيق فيه نكاحه، فأي واقع أسوأ وأقذر من هذا؟
هذه التناقضات
وغيرها هي المصير الذي سيلقاه كل من يصر على أن تراثنا الإسلامي ليس به شوائب أو
عوار جذري يحتاج إلى مراجعة شاملة، أو أن احترام الأئمة يقتضي كل هذا اللف والدوران بدلا من المواجهة والمصارحة بأن مثل هذا التفكير لايشير إلى خطأ هين، بل إلى مشكلة جذرية في إطارهم الفكري.
تراثنا الإسلامي به كوارث.. يحتاج إلى إعادة نظر شجاعة وعلمية وأمينة وشاملة.. لن تكفي كل الابتسامات الساحرة للحبيب علي الجفري أو غيره من الـtelevangelists على إخفاء منطق تبريره المتهافت.